كيف السبيل لإعادة إحياء الموروث التقليدي والحيلولة دون اندثاره ؟..
الدكتـور/ نعـيـم الأزهـر ميـساوي
كيف السبيل لإعادة إحياء الموروث التقليدي والحيلولة دون اندثاره ؟..
تعدّ الصناعات التقليدية موروثا ثمينا في العالم العربي، سواء الأزياء التقليدية أو صناعة الخزف والطينيات والفخار أو صناعة النسيج والسجاد والمطرزات والزخارف أو الصناعات الفضية والذهبية أو الأثاث والديكور وحتى المعمار .. لما لها من انعكاسات إيجابية كثيرة ومختلفة على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. لذلك أولت الدول لا سيما العربية منها، الصناعات التقليدية مكانة هامة وأعطتها حيّزا هاما من العناية والاهتمام، نظرا لدورها المتميز في تمكين الشعوب العربية من التعرف على هويتها وأصالتها والإنفتاح على العادات والتقاليد والثقافات المجاورة ومعرفة الخاصيات الدلالية والمفهومية لمنتوجات بعضهم البعض وذلك من أجل تحقيق المصلحة المادية والثقافية في آن واحد.
ولكن ما نلاحظه في السنوات الأخيرة هو تراجع مكانة الموروث المحلي في كثير من البلدان العربية على الرغم من أنه كان يمثّل أهم ركيزة للاقتصاد الوطني خلال حقبة ما، كما تقهقر دور الحرف التقليدية في العلاقات التجارية الداخلية والخارجية على حد السواء، مما فتح المجال لغزو بعض المنتوجات الحرفية الأجنبيّة السوق العربية ليتراجع في مقابل ذلك الإقبال على المنتوج التقليدي وعدم رواجه وبالتالي العزوف عن تعلم الحرف التقليدية مما جعلها مهددة بالاندثار، من ذلك بعضها الذي اندثر أو يكاد رغم جهود أربابها في الحفاظ عليها، وحتى تلك المنتوجات التي ما زالت تقاوم فقد أصبحت عاجزة عن تحقيق أهداف أصحابها من دخل مادي يكفل لهم العيش الكريم.
ونظرا لما أصبحت تشكوه الحرف التقليدية في مختلف الأقطار العربية من عدم الرواج وقلة الإقبال عليها، فقد وجب العمل على إنعاشها والنهوض بها إلى مرحلة أفضل وتحسين دورها في بناء تنمية اقتصاديه واجتماعية وثقافية، وبات من الضروري التفكير في تصاميم وابتكارات جديدة كفيلة بالحفاظ على الموروث الحرفي التقليدي وتحسين مساهمته والرقي والازدهار به وتفادي سقوطه في دائرة التقليد المبتذل وبالتالي التعريف به وبخصوصياته ومميزاته المتجددة في أذهان الناس، وكذلك حث المبتكرين والحرفيين من خلال تصاميمهم على تلبية كل الأذواق وتماشيها مع التطور الثقافي والاجتماعي ومواكبة نسقيّة تقدم العصر والترويج لها في جميع الأسواق العالمية والسعي لتحسين مردودية هذه المنتوجات التقليدية والقفز والنهوض بها من الجمود إلى مرحلة إعادة بنائها من جديد وإعادته إشعاع منتجاتها لتحقيق التنمية الاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية، ولذلك فإنّه من الضروري التركيز على الوسائل المعلوماتية والتقنية في مجال الحرف التقليدية والمهن اليدوية لمواكبة التطور العصري والمساهمة في تغيير الظروف الحياتية للصناع إلى الأفضل، وباعتبار أنّ الرؤى الإبداعية للمبتكرين في إنتاج تصاميمهم تكون عادة مدروسة ومحكمة ومنظمة تقوم على مصادر ومناهج مدروسة وإعادة هيكلتها من قبل مكونين بارعين قادرين على الموازاة بين السائد والمنشود وبين القديم والحديث وبين الأصالة والمعاصرة.