بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

البِسَاطُ الأحمرُ أيقونةُ المناسباتِ الرسميَّةِ..

عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي

مدرب ومحاضر في البروتوكول والإتيكيت المؤسسي

 

البِسَاطُ الأحمرُ أيقونةُ المناسباتِ الرسميَّةِ..

 

ارتبط اسمُ البساطِ الأحمر أو السجادة الحمراء ارتباطًا وثيقًا بالاستقبالات الرسميَّة للزعماء والرؤساء والملوك وكبار الشخصيات ونجوم الفن والتمثيل في حفلات التكريم المختلفة ، وكذلك في ساحات عروض الأزياء في معظم دول العالم ، فهي تعطي الفخامة والرقي والطابع المَلكيّ كعلامة احترام وتقدير لمن يمشي عليها ؛ حيث تضفي الإحساس بالفخر والتميُّز ، وهو عرف بروتوكولي تقليديّ عالميّ.

وتعتبر السجادة في مختلف مقاساتها الأيقونة والعمود الفِقَرِيّ لأي احتفال رسمي لا مناص عنها ، ولا تكتمل مراسم الاستقبال بدونها ، وتفرش السجادة الحمراء أيضا في ممرات القصور وهي تعطي إحساسا وانطباعا مرهفا ورقيًّا ومكانة ، وكذلك تفرش في الفنادق الفخمة لتعطي انطباعاً راقياً لمرتادي تلك الفنادق ، وقد يكون ذلك أيضا لغرض التسويق للخدمة الفندقية في المقام الأول ، وهو عرفٌ سائدٌ في جميع الفنادق حول العالم حتى اليوم.

ويستخدم أيضا القماش الأحمر لفرش الطاولاتِ التي تضع عليه المعروضات في بعض دور العرض في لونه الجاذب للنظر.

وسوف نحاول في هذا المقال المتواضع أنْ نتحدث عن أصول وتاريخ فرش السجادة الحمراء في الاستقبالات الرسمية ، وكذلك الإجابة عن السؤال الآتي :

لماذا السجادة الحمراء بالتحديد وليس أيّ لون آخر ؟!.

الجميع يتفق على أنَّ من يمشي على السجادة الحمراء في مختلف المناسبات ؛ تعطي لصاحبها الإحساس بالشعور بحالة نفسية منفردة تميِّزه عن غيره من الحضور ، واختيار الأحمر كونه أكثر الألوان إثارة وديناميكية وعاطفية وحيوية.

وللسجادة الحمراء تاريخ وقصص في بدايات استخدامها ، حيث إنَّ مدينة بابل هي عاصمة الحضارة القديمة لبلاد ما بين النهرين التي نشأت في عام 1763ق.م ، وهي واحدة من أهم مدن الشرق الأوسط القديم ، حيث اكتسبت هذه المدينة أوج ازدهارها في الألفية الثالثة قبل الميلاد عندما اتخذها حمورابي عاصمة مملكة بابل حينها ، وهي أول من استخدمت السجاد الأحمر ، فقد بدأ استخدامُها في استقبال الشخصيات العسكريَّة العائدة من ميادين القتال ، وسرّ اختيارهم لهذا اللون بسبب التكلفة العالية ، والجهد الكبير في استخراج نسيجه ، ودقة مَزْجِهِ ليصل إلى اللون الأحمر المطلوب في ذلك الوقت عكس الألوان الأخرى ، حيث قام بعد ذلك الأثرياء باستخدامها في قصورهم للدلالة على المكانة والثراء ، ثم تعاقبت الحضارات الأخرى على استخدام السجاد الأحمر.

أما في الجانب الآخر ؛ فهناك الحضارةُ اليونانيّةُ القديمةُ ، وفي عصر الإغريق بالتحديد نجد اليونانيِّين يحكون قصصهم حول استخدام السجاد الأحمر ، وتذكر بأن قصة ظهور السجادة الحمراء بدأت في عصر الحضارة اليونانية القديمة مع الملك الإغريقي المنتصر (أجاممنون) قائد معركة طروادة التي وقعت بين شعب طروادة والإغريق ، واستمرّت لعدّة سنوات ، وعندما أرادت زوجته استقباله استقبال الأبطال ؛ قررت فرش السجادة الحمراء من مدخل المدينة إلى باب قصره احتراماً وتقديراً له على ما قدمه للبلاد من انتصارات ، بعد ذلك استُخْدِم اللون الأحمر بعد أن تم تخفيفه كأزياء يرتديها النبلاء والأمراء ؛ وكانت محدودة الاستخدام لتلك الطبقات فقط ؛ لتميُّزِهم عن غيرهم من سائر فئات الشعب ، حيث كانت تلك الأزياء نادرة ومكلفة.

وقد فُرِشَتِ السجادةُ الحمراءُ في العصر الحديث لأول مرَّة كاستقبال رسميٍّ للرؤساء في عام 1821م على شرف استقبال الرئيس الأمريكي (جيمس مونرو) في إحدى جولاته الداخلية .

وفي مظهر أكثر حداثة استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية أصباغ اللون الأحمر في ممرات محطات القطار المختلفة في مدينة نيويورك في عام 1902م لتلفت انتباه الركاب للمسارات التي يجب أنْ يسلكوها أثناء خروجهم ودخولهم تلك المحطات ؛ كون اللون الأحمر من الألوان الجاذبة والملفتة والمشعة في الليل والنهار ، وأيضا لإضفاء ميزة الترحيب والتكريم للركاب وخاصة في كابينات الدرجة الأولى ، وانتقلت هذه الفكرة فيما بعد إلى العديد من البلدان الأخرى.

وارتبط وجود السجادة الحمراء أيضا بتكريم النجوم ومشاهير العالم في مختلف تخصصاتهم فهناك :

– مهرجان كان السينمائي ، وهو أهم المهرجانات الفنية العالمية.

– مهرجان الأُوسكار بهوليوود ، وتفرش السجادة الحمراء على مدار يومين بسبب طولها وحجمها ، إذ يبلغ طولها 153.50 متراً مربعاً.

– لا يمكن التقاط الصور الفوتوغرافية والمقابلات التلفزيونية القصيرة إلا على السجادة الحمراء ، وهو البروتوكول الأساسي في مثل هذه المناسبات.

الدول التي غيّرتْ لون السجاد الأحمر :

في عام 2013م قامت الجمهورية التركية بتغيير بروتوكول لون السجاد الأحمر واستبداله باللون الأزرق الفاتح ؛ حيث رفض رئيس الدولة أن يكون لون العلم الأحمر للدولة هو لون السجاد الذي تسير عليه الأقدام ، تقديراً واحتراماً لعلم الدولة ، ويعود اختيار اللون الأزرق إلى لون بحر مرمرة الذي يعتز به الأتراك ؛ كونه إرثًا أصيلًا ، وقد أُولع العثمانيون بهذا اللون ، وهذا اللون منتشر في بعضم أبنية تركيا ، ويطلق عليه الأتراك اللون (التركوازي) نسبة إلى حجر (تركواز) ، ومن هنا جاء اسم هذا اللون ، وقد أعاد الرئيس التركي الحالي هذا اللون حماية له من الاندثار وأظهره على الواجهة من جديد ، وهو أيضا قريب من لون الزي العسكري الذي يرتديه أفراد حرس الشرف التركي أثناء الاستقبالات الرَّسميّة.

كما قامت المملكة العربية السعودية في عام 2021م بتغيير بروتوكول لون السجاد من اللون الأحمر إلى اللون البنفسجي الفاتح ،أو ما يسمى باللون الخزامي لاستقبال ضيوفها الرسميين ، وهو لون يتماشى مع لون صحارى المملكة وهِضابها في فصل الربيع ، وخاصة بعد هطول الأمطار ، وعندما تتزيّن بلون زهرة الخزامى ، ونباتات أخرى مثل العيهلان والريحان ، التي تُشكّل في مجموعها غطاءً طبيعيًّا بلون بنفسجي رائع المنظر ، وقد زُيِّنَت أطراف السجاد أيضا بتشكيلات تراثية شهيرة في السدود والبناء العمراني التي تشتهر بها المملكة ، في إشارة واضحة للتراث السعودي وألوانه الخاصة المميزة.

على الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى