بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

نـجـمـة الشّـمـال..

الكاتبة/ ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

مدربة معتمدة ومحاضرة في اكتشاف الذات

 

نـجـمـة الشّـمـال..

 

“هو نجم يعلو القطب الشمالي للكرة الأرضية، ويقع قريبًا جدًا من محور دوران الأرض حول نفسها؛ لذلك فهو دائم الظهور، ويقع في الشمال دائمًا؛ لذلك كان هامًا جدًا للقدماء لمعرفة الاتجاهات، ولمشاهدة القطب الشمالي يجب أن يرفع الإنسان رأسه بزاوية 90 درجة تقريبًا نحو السماء، ويبعد نجم الشمال عن الأرض ما يقرب من 432 سنة ضوئية، وبسبب هذا البعد الكبير يبدو لسكان نصف الكرة الشمالي ثابتًا في موقعه، بينما يعجز سكان نصف الكرة الجنوبي عن رؤيته”

إن هذا النجم ساطع بما فيه الكفاية لمعرفة مكانه حتى من سماء الضواحي.

وفي سماء البلاد المعتمة، حتى عندما يحجب القمر المكتمل جزءًا كبيرًا من النجوم، يكون نجم الشمال سهل الرؤية نسبيًا.

وقد جعلت هذه الحقيقة من النجم هدية للمسافرين في جميع أنحاء النصف الشمالي للكرة الأرضية، على الأرض والبحر معًا على حد سواء.

أين أنت من تلك الكلمات السابقة؟!

 حتمًا لن أكتب لكم اليوم عن الأفلاك والنجوم والمدارات، مع كامل حبي لهذا العالم؛ إلا أنني لست ذلك الشخص المتخصص في هذا المجال.

حظيت في يوم من الأيام بلقاء إحدى الشخصيات الناجحة التي تمكنت من نقش اسمها في القلوب والدروب أينما حلت، فهناك بعض الأشخاص قد لا يحتاجون للحصول على جائزة نوبل مثلًا لتُكتب أسماؤهم في قائمة الأشخاص الأكثر تأثيرًا، أو ليذكرهم التاريخ في صفحاته.

هؤلاء الأشخاص هم من قرروا أن يكونوا الأبطال الحقيقيّين في رواية الكثير من الناس، أرادوا أن يتركوا أثراً، قرروا أن تكون حياتهم مؤثرة وموتهم فارقًا.

أنهى اللقاء قائلًا : “علينا أن نحدد نجمة الشمال”.

استوقفتني كثيرًا تلك الجملة…

لم أشعر حينها أنها مجرد جملة تحمل المعاني البلاغية الإبداعية فقط.

شعرت كأنها رسالة تحمل الكثير بين طياتها.

بحثت عن نجمة الشمال، وقرأت العديد من المقالات، ولكن بلا فائدة.

 وجدت الأمر كما بدا لكم، معلومات بحتة عن الفلك والفضاء

معلومات عن الرحالة والمهتمين بتتبع النجوم في الصحراء.

حاولت أن انظر للموضوع من زاوية التنمية الذاتية فربما إذا حددت وجهتك ستكن تلك نجمة شمالك وستصل حتمًا لبر الأمان، لم يكن الأمر مقنعًا كفاية.

فتركته جانبًا ومضيت في حياتي.

إلى أن وصلتني مكالمة من صديقة تخبرني أنها قد أرهقتها الأيام، وأن لا أحد يسمع ما تقوله، وكأن أحلامها هي فقط من تراها حقيقية وتستحق العناء، وتؤمن بها، كلمتني ربما لأنني كنت أملها الوحيد قبل أن تنطفئ جذوة شغفها، وتفقد ما يبقيها مزهرة.

ومن هنا لمعت بداخلي تلك النجمة من جديد.

الأمر حقيقي..

ليس كما نظنه..

أرجوك أعد قراءة ذلك الجزء المتعلق بنجمة الشمال مرة أخرى.

نجمة الشمال في حياتنا الإنسانية هي أحلامنا، هي لمستنا التي نريد أن نتركها في الحياة، هي الأمل الذي يجعلك تتمسك بالحياة من أجلها، وهي ذاتها إجابة لسؤال لن نفر منه يومًا (عمرك فيما أفنيته؟).

ذلك الحلم الذي لا يراه أهل الجنوب ليس لأنه غير حقيقي أو صعب التنفيذ، ولا لعيب في أهل الجنوب، ولكن لم يكن من بين اختياراتهم يومًا أن يتتبعوا شغفًا.

ذلك الحلم الذي يتطلب أن ترفع رأسك كل لحظة في حياتك لرب السموات ترجوه ألا يخيب رجاءك فيه.

ذلك الحلم الذي يتطلب منك أن ترتفع عن صغائر الأمور لتتمكن من رؤية الدرب واضحًا.

ذلك الحلم الذي تتعنى له في صحراء الحياة الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء مغامرًا بكل شيء، مقابل أن تصل لوجهتك في أقرب وقت.

ذلك الحلم الذي يجعل منك إنسانًا، خليفة لله في أرضه.

ذلك الحلم الذي يجعل القلوب التائهة سعية ومطمئنة بوجوده.

ذلك الحلم اللامع بما يكفي بداخلك حتى وإن لم يلحظه أحد بعد

قِبْلة الأنظار، مُلهم الساعيين، مرشد التائهين، هاد المنطفئين

ما بداخلك ليس مجدر حلم، ليس مجرد شغف، ليس مجرد فكرة

انظر حولك، كل من فكروا وسعوا وحاولوا وتمسكوا وصلوا إلى أبعد مما تصوروا.

يا من تقرأ كلامي الآن سلامٌ من الله على قلبك أولًا..

وثانيًا دعني أذكرك بشيء لا أحد ينتبه لنظراتك الشاردة، وأفكارك المثقوبة، وتستطيع خداع نصف العالم بكلمة بخير، وأنت ترجو من الله أن تكون كذلك فعلًا…

لذا أرجوك..

إبحث عن نجمة شمالك، وتمسك بها مهما عصفت بك الظروف، عد إلى دربك، نمي مهاراتك، طور من ذاتك، رتب أولوياتك، حاول حتى آخر نفس بداخلك، لا تستمع لتلك الأصوات الجنائزية، ثق في نفسك، حاول حتى يستغيث العالم من محاولاتك، لا تقارن نفسك بأحد، لا تنتظر الشكر على أمر فعلته بكل الحب، اهجر أرض الخيبات متى استطعت، ارحل عمن لا يقدر وجودك، لا تربط سعادتك بالبشر فالبشر متقلبون المزاج، حاول ثم حاول ثم حاول يكفيك شرفًا أن تلقى الله بينما كنت تحاول أن تترك أثر طيب في أرضه وبين خلقه.

كن إنسانًا بتفردك وتميزك وأثرك الطيب، شغفك الذي تتعبه الآن هو ما يجعل منك إنسانًا رحيمًا متصالح مع من حوله، هاد الطباع، يرى الأمور دومًا من زاوية “لن يضيعنا الله”

لا تمت مرتين..

“حاشاه جل علاه أن يحيي فيك أملًا ثم يقتله”..

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى