تشوانتشو : ميناء هام على طريق الحرير البحري زاره السائح العظيم ابن بطوطة..
الإعـلاميـة/ فـيـحـاء وانـغ – الصـيـن
تشوانتشو : ميناء هام على طريق الحرير البحري زاره السائح العظيم ابن بطوطة..
ما هي مدينة تشوانتشو ؟ مع هذا السؤال، سافرت إلى هذه المدينة الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي للصين، وكانت أحد أبرز الموانئ الصينية التي أقيمت على امتداد طريق الحرير البحري التاريخية، وإن مرساها العظيم كان يستقبل البحارة والمسافرين من شتى الثقافات والديانات، ويعود إليه فضل التبادل التجاري والثقافي بين المدينة وسائر أقطار العالم.
وأصبح هذا الميناء أحد المرافئ الصينية الرئيسية الأربعة التي كانت مستخدمة في عهد أسرة تانغ الملكية (بين عامي 618 و 907 ميلادي)، ثم بات أكبر المرافئ في شرق الصين خلال عهد أسرة سونغ الملكية (بين عامي 960 – 1279 ميلادي) وأسرة يوان الملكية (بين عامي 1271 – 1368 ميلادي)، وكان للميناء صلات وثيقة مع قرابة مائة مرفأ آخر على طول طريق الحرير البحري، ومن بينها مدراس في الهند، وسيراف في إيران، ومسقط في عمان، وزنجبار في أفريقيا، وقد زُرعت منذ القرن العاشر أشجار الحمرية المبرقشة حول مدخل الميناء للترحيب بالبحارة وإذهالهم بأزهارها الحمراء التي تخلب الألباب؛ أما الاسم الصيني لهذه النبتة فهو سيتونغ وقد اشتُقت منه تسمية “زيتون” العربية التي أطلقت على الميناء.
وقام عدد من المستكشفين المرموقين في القرون الوسطى مثل ماركو بولو، والراهب أودوريك أوف بوردينوني، وابن بطوطة بزيارة تشوانتشو، فوصفوا الميناء في كتاباتهم واعتبروه أحد المرافئ الكبرى في العالم آنذاك، ففيه بواخر متعددة الأحجام قادمة من شتى أنحاء العالم ترسو في الميناء أو تطلق العنان لأشرعتها، وفيه سوق نابض بالحياة حيث يتبادل الباعة من مختلف بقاع الأرض السلع والبضائع. ويبدو أيضاً أن ماركو بولو انطلق من تشوانتشو لإنجاز مهمة أوكلت إليه وهي مرافقة أميرة من أميرات المغول إلى حفل زفافها الذي كان يقام في بلاد فارس (إيران المعاصرة).
وتحتوي تشوانتشو على عدة مواقع أثرية ترتبط بطريق الحرير البحري كشواهد على هذا الماضي العريق. فيدلّ حطام السفن التي تم التنقيب عنها في خليج تشوانتشو وبحر جنوب الصين على ما تميّز به الميناء من ازدهار وحيوية، مثل حطام إحدى السفن البحرية ذات الهيكل الخشبي التي استُخرجت من “هوزو هاربور” (في خليج تشوانتشو). ويبدو أن هذه السفينة التجارية العابرة للمحيطات والمؤلفة من ثلاثة صوارات قد صُنعت في تشوانتشو في القرن الثالث عشر، وكانت وقت جنوحها عائدةً من جنوب شرق آسيا محمّلةً بالتوابل والعقاقير والبضائع الأخرى. ولم تكن تشوانتشو فقط أحد أبرز مراكز التجارة والتبادل على طول طرق الحرير البحري، وإنما كانت أيضاً مركزاً رائداً في صناعة السفن وتطوير تكنولوجيات الملاحة في ظل حكم سلالة سونغ.
وقدِم البحارة والباعة والمستكشفون إلى تشوانتشو من شتى بقاع الأرض، فساهم وجودهم المتواصل في المدينة في تحقيق التعايش السلمي بين مختلف المجموعات الإثنية والدينية العديدة القاطنة في المدينة، ومن بينها البوذيون والهندوس والطاويون والنساطرة والمانويون واليهود والكاثوليك والمسلمون، والدليل على ذلك تنوّع المواقع والآثار الدينية التاريخية المنتشرة في مدينة تشوانتشو؛ فيمثّل معبدُ “كايوان” ببرجيه المتطابقين المصمَّمين على شكل “باغودا” أحدَ أقدم المعابد البوذية في الصين، بينما يرمز تمثال “لاوجون” وهو أحد أكبر التماثيل الحجرية الصينية من هذا النوع إلى وجود الطاوية.
وفضلاً عن ذلك، فإن مسجد الأصحاب هو أقدم مسجد في الصين ويقف شاهداً على التفاعل الطويل الأمد بين مدينة تشوانتشو والعالم العربي الإسلامي، كما يحتوي معبد “كان آن” المانوي (كوخ من القش) على التمثال الحجري الوحيد الذي يمثّل الرسول المانوي “ماني”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ بعض الآثار المدنية مثل جسر العبور الحجري “لويانغ” وجسر “أنبينغ” الطويل بمناظره الفاتنة لا تشهد فقط على ازدهار ميناء تشوانتشو-زيتون، وإنما تعكس أيضاً في تصاميمها وهندستها المعمارية مزيجاً من الثقافة الصينية والثقافات الأخرى.
واعترافاً بالدور الذي أدّاه تشوانتشو كواحد من أبرز الموانئ الواقعة على طول طريق الحرير البحري، قام فريق من اليونسكو بزيارة المدينة في عام ١٩٩١ في إطار حملة طريق الحرير البحرية التي نظّمتها المنظمة. وعقب هذه الرحلة التي دامت خمسة أيام فضلاً عن العديد من الاجتماعات والمناقشات التي جرت بين خبراء معنيين بطريق الحرير ومعروفين دولياً ومحلياً، أوصت اليونسكو بإنشاء مركز في المدينة يُعنى بالدراسات المتصلة بطريق الحرير البحرية، وأدرجت المدينة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في شهر يوليو من العام الجاري.