بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

القـدر المـحـتـوم..

الكاتب/ يحيى بن حمد الناعبي

 

القـدر المـحـتـوم..

 

في السنة الثالثة لي من مسيرتي في التعليم أوكل لي مدير المدرسة مهمة تدريس الصف الثالث الابتدائي في العام الدراسي 1992 / 1993 وكان الطلاب حريصين كل الحرص على تلقي العلم والمنافسة الشريفة فيما بينهم من معلمهم ومربي فصلهم الذي لا يألو جهدا في تعليمهم والأرتقاء بهم في سلم المجد والرفعة وكان من بين طلابي و أبنائي الذين أكن له كل المحبة والتقدير، قيس وجمعة  فقد شدتني العلاقة الطيبة والصداقة الحميمة بينهما فكانا لا يفترقان أبدا تخالهما توأمين فاتضح لي بعد ذلك أنهما أبناء خالة فسررت بهذه العلاقة وكانت علاقتي بطلابي كعلاقة الأب بأبنائه أسأل عنهم وأزورهم في منازلهم، وكان من بين الطلبة الذين زرتهم قيس وكان لهذه الزيارة الأثر الكبير على العلاقة بيني وبينه مما انعكس إيجابا على مستواه العلمي ودارت الأيام وتخرج قيس من الثانوية العامة والتحق بالعمل في القطاع الخاص وكون حياته الخاصة وتزوج أخت صديقه ورفيق دربه جمعة وعاشا عيشه سعيدة.

إلا أن الحياة لا تستقر على حال واحد والإنسان معرض للابتلاء فمن فرح إلى حزن ومن صحة إلى سقم فقد شعر قيس بالحمى وذهب إلى المستشفى ليطمئن على نفسه وأجريت له الفحوصات وقد كانت النتيجة بأن هذه الحمى قد أثرت على عمل الكلى فقرر أهله تسفيره إلى الخارج لأجراء المزيد من الفحوصات لمدة أسبوع وبعدها رجع إلى المستشفى السلطاني في جناح الترقيد لمدة خمسة أيام تقريبا، وفي فجر أحد الأيام اشتد عليه المرض وقرر الأطباء ادخاله إلى العناية المركزة وظل فيها تسعة أيام فاقدا للوعي إلى أن أخذ الله أمانته في الليلة الأخيرة من شعبان، وقد تلقيت خبر الوفاة كالصاعقة والجميع في صدمة وذهول، هل حقا رحل قيس إلى غير رجعة؟ هل غابت تلك الإبتسامة التي لا تفارقه؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون) ونتجمل بالصبر وندعو الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهمنا جميعا الصبر والسلوان.

ولم تنته قصة هذا الحبيب بل اتضح لي بعد ذلك أنه أوصى زوجته قبل وفاته إذا رزقهم الله ولدا بأن يسميه عزان وقد استجاب الله لدعوته وأنجبت له ابنا سمته عزان تنفيذاً لوصيته رحمة الله عليه، وحينما قلبت دفتر ذكرياتي الغالية مع طلابي وجدت أنني محتفظ له بدفتر النشاط الصفي والواجبات المنزلية الذي أهداني إياه نهاية العام الدراسي ذلك الدفتر الذي خطته أنامله خطا ليس كأي خط خطا جميلا تميز به عن أقرانه بل فاقهم بسنوات عديدة ولا زلت أحتفظ به حتى يومنا هذا ، وصدق الشاعر حين قال :

يعيش الخط في القرطاس دهراً .. وصاحبه رميم في التراب.

أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في عزان ويجعله من الأخيار البررة ، وأن يغفر لقيسنا ويجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة؛ إنه على ذلك قدير نعم المولى ونعم النصير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى