بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

هـذه هـي زنـجـبـار..

الكاتب/ ناصر بن عبدالله الريامي

باحث في تاريخ الوجود العماني في شرق أفريقيا

 

هـذه هـي زنـجـبـار..

 

هذه هي زنجبار أيها الأعزاء .. هذه هي الأرض التي اشتهرت بأرض القرنفل .. القرنفل الذي كان، ولا يزال، يعد عماد الاقتصاد الوطني الزنجباري، ويعود فضل زراعته إلى السيد سعيد بن سلطان، سلطان عمان وزنجبار، في سنة ١٨٣٤م، أو سنة ١٨٤٠م، كما ورد في بعض المصادر .. هذه هي زنجبار أيها الأعزاء .. هذه هي الأرض التي طهرها العمانيون من نير “الاستعمار” والاستعباد البرتغالي في سنة ١٦٩٨م، بعد أن هزموهم شر هزيمة .. هذه هي زنجبار التي استمرت القوات البرتغالية في الإغارة عليها، بعد مغادرة القوات العمانية إلى موطنها عمان .. هذه هي زنجبار التي التمس شعبها من الإمام سيف بن سلطان اليعربي العماني، البقاء فيها، كحاكم عام للجزيرة، يدينون له بالولاء، ويخضعون له ولحمايته .. هذه هي زنجبار التي اتخذ منها السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي عاصمة لامبراطوريته في سنة ١٨٣٢م .. هذه هي زنجبار التي أدخل إليها حكام دولة آلبوسعيد شبكة الكهرباء قبل كثير من الدول الأوروبية؛ وسبقت الكثير من دول الجوار في بناء شبكة المياة، منذ عام ١٨٧٢م؛ وفي تسيير خطٍ للملاحة البحرية بين زنجبار وعدن، في العام نفسه؛ وكذا في مد خطوط بحرية لشبكة الاتصالات الهاتفية بين زنجبار وعدن، في سنة ١٨٧٩م.  هذه هي زنجبار التي عرفت كل مظاهر التحضر والتقدم، قبل وصول المستعمر البريطاني؛ وتحديداً، في زمن حكم دولة آلبوسعيد .. هذه هي زنجبار أيها الإخوة التي عرفت بأندلس أفريقيا، من فرط مظاهر التحضر فيها .. هذه هي زنجبار التي كانت بهجة الدنيا، وقِبْلة الأمم، وملتقى الشرق والغرب، وشعلة النور، والتي كانت الأنظار ترنو إليها، ويفد إليها طلاب العلم والمعرفة من أقصى الأرض، لعلهم يأتون منها بقبسٍ، أو يجدون على النار هدى، هذه هي زنجبار التي كانت تعد رمانة الميزان في شرق ووسط أفريقيا.

هذه هي زنجبار أيها الأعزاء .. هذه هي الدولة المستقلة التي كانت فعلا، مركز إشعاع ثقافي لشرق أفريقيا وأواسطها؛ فهي بذلك كانت، كما يقال عنها : درة الشرق الأفريقي، بل وعقلها المدبر في مختلف مناحي الحياة؛ كانت بمثابة ضابط الإيقاع في المنطقة برمتها، فما كان يحدث في زنجبار في عصرها الذهبي، عصر الحكم العماني، ينتشر لا شعورياً إلى دول الجوار، ولعل أفضل ما يمكن الاستشهاد، والتدليل عليه، مقولة : “إن تعالى المزمار في زنجبار، رقص الناس على إثرها، في البحيرات العظمى رقصاً”.

لا شك أن نفوذ زنجبار على سكان المنطقة، كان يعني انتشار الإسلام؛ وهو الأمر الذي ما كان ليروق لأهواء الإدارة الإنجليزية الحاكمة في زنجبار، اعتباراً من ١٨٩٠م؛ سيّما إذا ما علمنا أن القضاء على الإسلام كان على رأس قائمة أولويات هذه الإدارة؛ لذلك، عملت بكل ما أُوتيت من خبث ومكر ودهاء على كسر طوق السيطرة الإسلامية العربية على المنطقة؛ وتحقق لها ذلك من خلال تفننها في غرس بذور الكراهية في نفوس الأفارقة تجاه العرب.

كانت فكرة استعباد العرب للأفارقة، من أهم المعتقدات التي حرصت الإدارة البريطانية على بثها؛ بل وغرسها في أذهان هؤلاء البسطاء من القوم، ومع مرور الزمان، وتعاقب السنون والأزمان، أصبحت تلك الفكرة من المسلّمات التي لا تقبل الجدل؛ وهي الركيزة التي قامت عليها المجازر التي حدثت في عام ١٩٦٤م، بعد أن أطاحت بعض دول الجوار بنظام السلطنة، وخرج آخر سلاطين دولة زنجبار إلى بريطانيا، حيث منفاه الاختياري*.

تلك الأكاذيب والافتراءات والاتهامات؛ بل والخزعبلات لم تتناول شيئاً عن الذي رفع لواء الاتجار بالرقيق، وهو المستعمر الأوروبي؛ ولا أدل على ذلك من ارتفاع نسبة ذوي الأصول الأفريقية في دولهم، وفي الأمريكتين، والعجيب أن الأفارقة لم يسألوا أنفسهم عن كيفية وصول إخوتهم إلى تلك الأراضي البعيدة؛ فعلاً هم بسطاء في تفكيرهم وسُذّج؛ واستغل الأوروبيون ذلك لبث سمومهم؛ تحقيقاً لسياستهم الاستعمارية الخبيثة، “فَـرِّق .. تَسُد”.

هذا نداء لكل ذي عقل وحس وإدراك، لبذل جهود خاصة بما يكفي؛ للوقوف على التاريخ وفق حقيقته، لا وفق أهواء وأغراض خبيثة..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* اختار السلطان جمشيد بن عبدالله البوسعيدي، سلطان زنجبار الذي أطيح به وبحكومته، اختار العودة إلى وطنه الأم، سلطنة عمان، ليقضي فيها ما تبقى من عمره، ودخل فعلاً مسقط بتاريخ 15 سبتمبر 2020م، ولاقى معاملة تليق بمكانته، والحمد لله على كل حال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى