أوروبـا كـمـا رأيـتـهـا .. الجزء (11)..

الكاتب/ عبدالله بن عبدالرحيم البلوشي
أوروبـا كـمـا رأيـتـهـا .. الجزء (11)..
بدأ الاستعداد ليلا للرحلة القادمة ، الى وجهة أخرى الى مدينة جديدة في دولة عريقة لها تاريخ غير ناصع، ولكنه الإنصاف أن تزور لترى وتروي حقيقة المشاهدة..
كانت حركتنا بتاريخ 31 من الشهر الثامن لسنة 2015 ميلادية ، تركنا خلفنا بازل تلك المدينة الرائعة ، ينتظرنا سفر مسافته لا يقل عن 571 كيلومترا ، الى مدينة باريس قلب فرنسا ، والكل في شوق لرؤية مدينة الأحلام والجمال والأناقة كما يطلق عليها ، مدينة الرومانسية غير العذراء كما توصف ، مدينة القائد نابليون ، مدينة الكاتب والفيلسوف الكبير فولتير…
انطلقت بنا السيارة من النزل الذي كنا نقيم فيه، ودّعنا من كان يستضيفنا من العاملين بجميل أخلاقهم ، ولطف كلامهم، ورفيع تعاملهم .. ركب الجميع ، ولحمود وميثاء قصة مع كل رحلة، قصة من سجية الأطفال الفطرية : (هين رايحين اليوم؟) … باريس، يو باريس مع قليل من الازعاج الطفولي المقبول.
اختفت مشارف وأعلام المدينة تماما عن أبصارنا ، وبدأت تضاريس وملامح من قرى ومدن صغيرة ومتوسطة نمر عليها ، نتلمس فيها الطابع الغربي الأوروبي المنعوت ، لم تخلو رحلة السير من الضحكات والطرب ، وانت تشاهد كل جميل من المناظر الخلابة على سفوح الجبال وفي قيعان الوديان السحيقة ، والانفاق التي تشق جبال الألب شقاً لتصل الى الضفة الأخرى من الجبال ، هنا استوقفنا المشهد ورجع بي الفكر إلى ذاك الطريق الرابط بين ولاية بوشر والعامرات في سلطنتنا الحبيبة.
وتستمر المشاهد بروعتها وتبهرك بمناظرها المتناهية الجمال ثم تنقلك نقلة آخرى ، لتكون شاعرا من الشعراء الطبيعة البديعة ، ثم تنقلك لتكون المتنبي في تصويره الطبيعة الخلابة في أرض فارس ، يصف فيها البشر والشجر في قصيدته البديعة (مغاني الشِّعْب)..
مَغاني الشِّعبِ طيباً في المَغاني .. بِمَنزِلَةِ الرَبيعِ مِنَ الزَمانِ.
وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها .. غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ.
مَلاعِبُ جِنَّةٍ لَو سارَ فيها .. سُلَيمانٌ لَسارَ بِتَرجُمانِ.
تنتقل من مدينة الى أخرى دون أن تشعر بانتقالك من بلد الى آخر ، سيارات وشاحنات بالآلاف المؤلفة تنتقل ، حركة دؤوبة متصلة ، وأناس في محطات الوقود وأماكن الاستراحات يتحدثون بلغات مختلفة ، هذا ألماني وذاك إيطالي وثالث سويسري وهناك فرنسي ، لم تمنعهم اختلاف ألسنتهم من الاتحاد والاتفاق كون المصلحة تجمعهم لخير بلدانهم وتنميتها ، توقفنا عند أحد المطاعم في منتصف الطريق بعد أن أخذ منا الإرهاق فأخذنا شطراً من الوقت للراحة.
مكان رائع واستراحة فخمة تضم كل ما يحتاج له المسافر من أكل وشرب ودورات مياه ، وحتى البقاء في نزلها للراحة او قضاء ليلة بعدها تواصل السير في اليوم التالي .. استمتع الاطفال بالألعاب المتوفرة في تلك الاستراحة وكان الوقت كاف لمواصلة الرحلة الى باريس.
واصلنا السير بعد تلك الاستراحة القصيرة ، سرنا مع المئات من السيارات نأخذ المسار نفسه ، لعله يوصلنا إلى الهدف والمكان الذي نقصده ، والآخرون لهم وجهتهم وأهدافهم.
طال المسار ولكن بدون ملل ، ورويداً رويداً بدأنا الاقتراب حتى بدأت معالم مدينة باريس تطل برأسها خجلاً من بعيد ، كالعذراء تطل من خدرها ، باسمة الشفاه محلاة الجبين والوجن .. تبهرك المناظر من خضرة وحدائق غنّاء بأشجارها العملاقة الباسقة .. مسيرنا كان من أطراف المدينة حتى لا ندخل في زحام الشوارع الرئيسة ، كل يسلك طريقه بنظام دون أن يخل بقانون ، أو يزاحم الآخر ، أو يتجاوز السرعة المحددة .. اقتربنا من النُّزل وبدا الموقع جميلاً وهادئاً ، قريباً من ضاحية تضم المحلات والمطاعم ذات الأكلات المتنوعة .. الساعة كانت الثانية ظهراً عندما هممنا بالدخول الى النزل في إحدى ضواحي باريس الذي سبق وحجزناه ليكون قريبا من (وورلد ديزني) أو (ديزني لاند) الشهير ، الاستقبال كان رائعا ، مع أن الفرنسي يعتز بلغته يمتنع التحدث بغيرها ، ولكن يجبرهم واقع الحال التحدث باللغة الإنجليزية التي أصبحت لغة التفاهم في كثير من دول العالم أو قل معظم العالم ، وذلك للتفاهم مع السياح أمثالنا الذين لا يجيدون الفرنسية.
وفي الأسبوع القادم إن شاء الله نكمل الحديث عن رحلتنا إلى باريس..












