إسمـح للعطـر أن يفـوح..
أ. ياسمين عبدالمحسن إبراهيم
مدربة معتمدة ومحاضرة في اكتشاف الذات
إسمـح للعطـر أن يفـوح..
“سنموت جميعًا، وهذا الشيء الوحيد الحقيقي في هذه الحياة، أعلم أن الأمر صعب نوعًا ما في التصريح به بهذه الطريقة، ولكن تبقى الحقيقة دائمًا صعبة رغم صدقها، والمثير للجدل هنا أنه بالرغم من علمنا بهذا الوداع الأكيد إلا أننا نؤذي بعضنا بأشد أنواع الأذى ؟!.
كلمة، نظرة ……. أشياء تظنها بسيطة أو عابرة، ولكن لمن يتلقاها فهي مؤلمة لأبعد مما تتخيل.
إن من الكلام ما هو أقسى من الحجر، وأنفذ من وخز الإبر، ومن النظرات ما هو أحر من الجمر.
إن كانت إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فكيف الحال إن قررنا إماطة الأذى عن قلوب الآخرين ؟.
إن القلوب مزارع فازرع فيها ما شئت، فإنك حتمًا حاصده
قال الله تعالى : “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍۢ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا في ٱلسَّمَآءِ (24)” سورة إبراهيم
ألم ننتبه يومًا لتلك الآية؟
لقد ضرب لنا الله مثلًا للكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة لندرك أهمية الكلمة، وخطورتها على المجتمع أجمع.
علينا أن ندرك أن الكلمة قد تُميت روحاً، وقد تُعيد الحياة لأخرى، قد تكون آخر أمل لأحدهم، وقد تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير.
علينا أن نتيقن بأن الله خلقنا رحمة لبعضنا البعض.
لا لنقسو، ولا لننتقم، ولا نصدر الأحكام، فقط لنرحم بعضنا البعض، ونشد من عضد بعض، ونُحسن في كل شيء لأن الله يحب المحسنين.
لو واجهتكم صعاب في أيامكم فكونوا على يقين أن كل شخص يمشي على هذه الأرض يحارب في معركته الخاصة.
لا تغرنكم المظاهر كثيرًا، ربما هذا الشخص يجيد الضحك في ظاهره وباطن الأمر نار الله الموقدة.
ربما هذا الشخص هادئ في ظاهره وباطن الأمر بركان على وشك الانفجار.
ربما تظن أنه تقبل المزح السخيف، أو تجاوز عن التعليقات المُهينة في ظاهره وباطن الأمر قد اشتكى قلبه لله.
ربما تُمُكِن من أحدهم لأنه أفقر، أو أصغر سنًا ولكن انتظر المفاجأة فلكل كبيرٍ من هو أكبر منه.
رحمتك بالآخرين لن تعيق من تقدمك، ولن تقلل من شأنك، ولن تأخذ من بريقك، بل العكس ستنال أنت أيضًا منها قبساً طيباً يغمر قلبك بالأمان.
تصدقوا رحمكم الله، تصدقوا بكلمة طيبة تجبرون بها كسراً في قلبٍ لا يبوح بأنينه.
فقط كلمة طيبة، لن تكلفكم شيئاً.
تصدقوا رحمكم الله، تصدقوا بابتسامة رقيقة قد تغير ما عكرته ظروف الحياة.
تصدقوا رحمكم الله، تصدقوا بحسن الخلق، وتيسير أمور العباد.
تصدقوا بالتغاضي، وغض الطرف عن عورات الآخرين.
إمنح الجميع السلام حتى وإن لم يكن في قلبك نصيب منه.
“فإن مفتقد الشيء يعطيه ببذخ”.
كل إنسان يستحق على الأقل جهة واحدة آمنة في حياته، جهة لا يضام منها ولا يُضر من خلالها، جهة تحبه كما هو، جهة يستند عليها كلما أرهقته الأشياء.
كن أنت تلك الجهة الآمنة.
كن أنت الجمال في هذا الكون الواسع.
كن كما تحب أن ترى من حولك.
كن عطراً خاصاً تطيب به المجالس، وتجبر به القلوب، و تتلاشي في حضوره الهموم.
كن إنساناً متى أُتيحت لك الفرصة.
تذوق كلماتك.
تحسس نظراتك.
فكر في ردة فعلك على الآخرين.
عاملهم كما تحب أن يعاملوك، وإن لم يعاملوك بعد.
يكفيك أنك تجاهد نفسك من أجل أن تُحسن لعباد الله كما أمرك الله.
إسمح للعطر أن يفوح فقد حان وقت الحصاد…
دمتم مبتسمين..