سلطنة عُـمان تاريـخ عـمـيـق..
أحمـد صـالـح حلـبـي
باحث وكاتب – السعودية
سلطنة عُـمان تاريـخ عـمـيـق..
كلما قلبت صفحات التاريخ أوقفتني كلمات دونت وأحداث سجلت عن سلطنة عُمان تحكي عن الإنسان الذي نشأ وترعرع على أرضها وسجل مواقف خالدة ، وبطولات تروى ، وتضحيات لا تنسى.
وأمام كل ما قرأت عن سلطنة عُمان وجدت نفسي جاهلا لتاريخها والحياة الاجتماعية والاقتصادية بها ، وقبل أن يأخذني الورق ، وأحمل القلم ، وأسطر الأحرف ، وأدون الكلمات تذكرت مقولة للدكتور مصطفى محمود يقول فيها : “إن حضارة الإنسان وتاريخه ومستقبله .. رهن كلمة صدق وصحيفة صدق وشعار صدق .. فبالحق نعيش، وليس بالخبز وحده أبدا” ، وما قاله الدكتور مصطفى محمود رأيته متمثلا في أبناء عُمان الذين عرفوا عبر التاريخ بصدق أقوالهم ومواقفهم ، و”شكلت رسالة الإسلام منعطفا مهمًا في تاريخ عُمان، حيث استجاب أهل عُمان لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ودخلوا الإسلام طواعية وسلمًا، ثم ما لبثوا أن لعبوا دورًا رائدًا في تثبيت دعائم الدعوة ونشر راية الإسلام شرقا وغربا.
وتجمع الروايات أن مازن بن غضوبة الطائي السمائلي كان أول من رحل إلى المدينة المنورة ، وأول المسلمين من أهل عُمان ، وقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : يا ابن المباركين الطيبين قد هدى الله قومًا من عُمان ومنَّ عليهم بدينك وقد أخصبت وكثرت الأرباح فيه والصيد، فقال صلى الله عليه وسلم : «ديني دين الإسلام سيزيد الله أهل عُمان خصبا وصيدا، فطوبى لمن آمن بي ورآني، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ولم ير من رآني ، وإن الله سيزيد أهل عُمان إسلامًا».
وفعلًا كانت عُمان من أوائل البلاد التي اعتنقت الإسلام في عهد الرسول الكريم ، فلقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر وعبد ابني الجلندى بن المستكبر ملكي عُمان آنذاك ، يدعوهما إلى الإسلام فاستجابت عُمان بقيادة ابني الجلندى ، وأصبحت منذ ذلك التاريخ واحدة من القلاع الحصينة للإسلام ، وساعدت على انتشاره في كثير من المناطق خاصة في شرق ووسط أفريقيا.
ومن هنا نجد أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو لأهل عُمان بالخير قائلًا : «رحم الله أهل الغبيراء (أي أهل عُمان) آمنوا بي ولم يروني» ، وما دعا الرسول الكريم لأن يثني ويدعو لأهل عُمان بالخير ، إلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلام ملكي عُمان إسلامًا خالصًا مخلصًا من كل شائبة وسوء ، والحق أن خطبة أبي بكر الصديق في الوفد العُماني برئاسة عبد بن الجلندى وفي جمع من المهاجرين والأنصار ، لهي وثيقة هامة في حسن أخلاق العُمانيين وكرم وفادتهم ، وفي حسن إسلامهم وفي ثباتهم على الإسلام بعد أن أسلموا.
وقد ساهمت عُمان بدور بارز في الدعوة الإسلامية وشاركت في الفتوحات العظيمة برًا وبحرًا خاصة في العراق وفارس وبلاد السند ، وعدد من البلدان الأخرى ، كما حمل العُمانيون الإسلام معهم إلى شرق أفريقيا والصين والموانئ الأفريقية والآسيوية التي تعاملوا معها.
ومن المعروف أن الإسلام والقيم الإسلامية تعد رابطًا قويا بين العُمانيين يحافظون عليه ويتمسكون به ويلتفون حوله.
وكما كان العُمانيون صادقون في إسلامهم ، كانوا ولازالوا صادقين في مواقفهم تجاه الأمتين العربية والإسلامية ، واستطاعت سلطنة عُمان أن توظف موقعها الكائن في الركن الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية توظيفا جيدا ، فلم تعقها رمال صحراء الربع الخالي ، ولا السواحل والجزر والأخوار ، ولا ضفاف الخليج العربي أو سواحل بحر العرب أو المحيط الهندي ، ولنا في موقع شبه جزيرة مسندم الواقعة على شكل رأس من الجبال الوعرة داخل البحر ، والمنفصلة عن الوطن الأم المرتبطة به بالطرق البرية التي تخترق أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة ، قصة إعجاز ربطت أبناء الوطن الواحد في الكثير من الخدمات.
وإن تحدثنا عن الحضارة العُمانية فإننا سنتوقف أمام تاريخ قديم يحكي بداية حضارة الإنسان في عمان التي تعود “إلى الألف الثامنة ق.م ، وفيها صنع الإنسان العماني أدواته من الحجر العادي وهناك آثار ونقوش في عُمان ترجع إلى ذلك العصر ، وتتعدد تلك النقوش في عُمان ما بين الحفر على الصخر في شمال عمان ، إلى استخدام الألوان في جنوبها في ظفار ، وتبدو في تلك النقوش صور بشرية وحيوانات برية ، كما عثرت البعثات الأثرية في عُمان على أدوات عديدة تنتمي إلى هذا العصر مثل الفؤوس وأدوات الصيد، وهياكل عظمية لحيوانات برية ، وأدوات حجرية ، ونقوشاً في ظفار وسيوان (هيما)”.
ورغم أن البرتغاليين استطاعوا في أوائل القرن السادس عشر وتحديدا في عام 1507 أن يسيطروا على أجزاء من السواحل العمانية وذلك بعد مقاومة شديدة من العمانيين ، إلا أنهم لم يستطيعوا تجاوز بعض المناطق الساحلية المحدودة ، ” ويمثل تولى غالإمام ناصر بن مرشد إماما على عمان فى عام 1624، بداية حكم اليعاربة ، وقد تمكن الإمام ناصر بن مرشد من خلال توحيد البلاد تحت قيادته للمرة الأولى منذ سنوات عديدة وعبر تجهيز أسطول بحرى قوي ؛ تمكن من تقليص نفوذ البرتغاليين وتحرير بعض المدن الساحلية منهم.
وواصل الإمام سلطان بن سيف هذه المهمة في مطاردة البرتغاليين خاصة وأنه توفرت له الكثير من عناصر القوة المادية والعسكرية حتى تم تحرير مسقط عام 1650، وهو ما كان إيذانا بأفول نجم البرتغاليين من منطقة الخليج ككل ، بل وقامت القوات العمانية بمطاردة البرتغاليين إلى سواحل الهند وشرق أفريقيا ، وتمثل مبايعة الإمام أحمد بن سعيد الذي كان والياً على صحار وما حولها عام 1744م ، بداية لحقبة جديدة من التاريخ العماني ؛ حيث أسس الدولة البوسعيدية من إعادة توحيد البلاد ، وإخماد الفتن الداخلية ، وإنشاء قوة بحرية كبيرة إلى جانب أسطول تجاري ضخم.
وقبل الختام أقول إن بناء الإنسان العماني شكل أحد أهم مرتكزات بناء الوطن ، فالفرد وإن كان يمثل الركيزة الأساسية لبناء الأسرة ومن ثم بناء المجتمع وبناء الوطن ، وهذا ما سارت وتسير عليه عمان.