ريحـانة في حديقـة صـبار!!..
مـحـمـد الـشـيـزاوي
ريحـانة في حديقـة صـبار!!..
عندما كنت صغيرا كنت أذهب كل جمعة مع كل أولاد الحارة في بيت جدي بعد الصلاة، وكان جدي يحكي لنا قصة ويسألنا ماذا استفدنا من القصة، ومن ثم يعطي الهدايا لكل من يبادر بإجابة صحيحة كانت أو غير صحيحة، فكان يعرفنا على الحياة ولكن بطريقة القصص.
وهناك قصة مميزة لازالت عالقة في ذاكرتي وكأن جدي رحمة الله عليه قصها علينا من دقائق معدودة، كانت مجرد قصة حينها، ولكن عرفت معناها وما المقصود منها عندما كبرت مع الحياة، كان جدي يحكي لنا عن الرجل المحب للزراعة، الذي قرر في يوم أن يزرع نبتتين، وهما نبتة الريحان، ونبتة وردة النرجس، لشدة حبه لهما، ولكثرة انشغالته طلب من مساعده زراعة النبتتين في مكان مناسب لهما في الحديقة الأمامية، ولكنه زرعهما في الحديقة الخلفية بين أشجار الصبار الشائكة والأحجار الصلبة، ولكن كانت تلك النباتات في الحديقة الخلفية قادرة على تحمل الرياح والعواصف، أما نبتة الريحان ووردة النرجس كما نعرف أنهما من النباتات التي تحتاج إلى عناية ومكان يلائم جمالهما ورقتهما، ولكنهما قاومتا الظروف وكبرا، وعندما كبرت نبتتا الريحان والوردة، وبدأ جمالهما يظهر بقوة وفوحان عطرهما يأسر كل المارة، هنا بدأت نباتات الصبار تسخر منهما، وتوجه لهما كلاما قاسيا مغترة بقوتها، وقالت لهما : لا يمكن أن يظل جمالكما بيننا، ولا يمكنكما مقاومة كل شي؛ لقد وصل الأمر إلى أن نبات الصبار يقذف أشواكه عليهما ليشوّه جمالهما حتى أصبحت الريحانة متعبة منهكة وكانت تقول للوردة لا يمكننا البقاء بينهم، لماذا كل هذه القسوة ؟!!، وكانت الوردة متمسكة بقوتها لإثبات جمالها، وتقول للريحانة أصبري وتحملي، فأنا لن استسلم، وسوف أثبت لهم بأنني أنا الأكثر تميزا بينهم جميعا، بطيب رائحتي وجميل قوامي، وأنا الأغلى فإنهم ليسوا إلا أشواكا.
كان المارة في كل مرة ينتظرون طويلا فقط من أجل أن تمر نسمة عابرة فتنشر عطر الريحانة والوردة في الهواء، عطر مميز وأصيل، ولكن مع استمرار سخرية الصبار، وإحباطه للنبتتين يئست نبتة الريحان واستسلمت وذبلت أوراقها وجفت وتناثرت، وتركت الوردة وحيدة تقاوم لتثبت بأنها الأفضل، ومع مرور الوقت كان ينمو على ساقها الشوك، فأصبحت وردة قوية ذات رائحة عطرة لا تقاوم، وهذا كان يثير غضب النباتات الشائكة، حتى أتى ذلك اليوم وعاد المزارع من سفره وذهب إلى الحديقة الأمامية، ولم يجد وردته وريحانته وهو قادم من أجلهما، صاح ينادي على المساعد أين ورودي قال له في الحديقة الخلفية، رد عليه قائلا : أيعقل أن تزرع ورودا في أرض الشوك، رد عليه المساعد كلها أراضي زراعية وما الضرر في ذلك ؟!، قال له المزارع : إنني أحب الزراعة، والنباتات تشبه الإنسان لا تزهر إلا في البيئة المناسبة لها، وقد تموت حتى لو كانت في بيئتها الأصلية لمجرد أنها لم تحظَ بالرعاية المناسبة لها، ذهب إلى الحديقة الخلفية ووجد أن الصبار أصبح ذو أعداد هائلة فنادى على المساعد لنزع نصف الكمية وطلب منه إرساله للمصنع الصغير الخاص بأدوات التجميل، وظل يبحث بنظره عن الوردة والريحانة، فهما في أصل الأمر هدية من شخص عزيز، وفجأة شم رائحة جميلة فراح ببصره تجاه الرائحة؛ حيث رأى تلك الوردة التي أصبحت شائكة رغم أن هذا النوع غير شائك، تعجب من ذلك الأمر، وبحث عن الريحانة فما وجد منها غير بقايا من فتات أوراقها الجافة، حزن قلبه كثيرا على ما صار لهديته الثمينة، فأخذ الوردة من هذه البيئة القاسية، واعتنى بها في مكان آمن وبعيد، وعندما زرعها في حديقته الخاصة بالورود صار شي عجيب وكأن وردته المميزة هي من تمد كل ورود الحديقة بالطاقة والتألق، ازدهرت حديقته، وأصبحت مزارا رئيسيا لمحبي الورود، ومع الوقت أصبحت هي أجمل وأقوى الورود الموجودة في الحديقه؛ حيث قررذلك الرجل بأن لا يبيع أو يقطف تلك الوردة التي أصبحت مميزة، لأنها يستمد منها كل ورود الحديقة القوة والجمال، وأصبحت الوردة المصدر الرئيسي للطاقة، في تلك الحديقة تباع كل الورود إلا تلك الوردة، كأنها جاءت لتعلمهم كيف يصبحون ورودا، وكأن تجربتها في أرض الشوك أكسبتها مقاومة وقوة لا يهزمان.
لذلك أيها القارئ أتمنى أن تكون مثل تلك الوردة، ولا تكن ريحانة في يوم ما، لقد
أثبتت لنا الوردة بأن لا مستحيل في هذه الحياة إذا جعلنا أملنا في الله هو الأساس، ولم نستسلم، وكانت الثقة فيما نملك من قدرات ومهارات هي المبدأ الرئيسي الذي نتعامل به مع الاخرين، حتى وإن حاولوا إنكار ذلك، كان المستقبل لنا نحن لا محالة من ذلك.
أصبر وقاوم، ابتعد عن من يؤذيك، لا تستمع لمن يحبطك، أنت كما تريد، انطلق وحقق ماتريد.
نعم ستتعثر كثيرا، ستصارع، ستواجه التحديات، ولكن في النهاية ستصل بكل قوة.
ابحث دوما عن البيئة التي تناسبك، وكن أنت الداعم لأبنائك وأصدقائك وفريق عملك، لا تقلل منهم ولا تحبطهم، ولا تخف، فليس هناك من يموت لأنه يملك حلما مستقبليا.
ولنتذكر جميعا أن المحيط والبيئة التي نعيشها يجب أن تكون بيئة داعمة ومحبة للخير، ومحفّزة للآخرين.
بالفعل دائما اختيار البيئه المناسبه لك من أسباب النجاح وتحقيق الأهداف، مقاله جدا معبره الانتقال السلس من فقره لفقره جدا جميل واعجبتني القصه كثيرا
شكرا على نشر هذه الأفكار الايجابيه وفي انتظار المزيد من المقالات