رحلة في كتاب “بين قلعتين” .. عُـمان والبرتغال..
أحـمـد صـالـح حـلـبـي
كاتـب سـعـودي
رحلة في كتاب “بين قلعتين” .. عُـمان والبرتغال..
تحت عنوان “بين قلعتين” .. عُـمان والبرتغال ، أبحر بنا الكاتب الكويتي (صالح تقي) في رحلة توثيقية إلى مدن أسياد البحار ، ليوثق “مشاهداته من زيارته لعُمان والبرتغال ، متغلغلاً في تفاصيل مدنها وتاريخها وبعض من عادات شعوبها” بما يذكرنا بأدب الرحلات وهو نوع من الأدب يعمد فيه الكاتب إلى تصوير ما جرى له من مواقف وأحداث ، وما واجهه من صعاب أثناء رحلته ، “وتُعد كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية ، لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة الحية ، والتصوير المباشر ، مما يجعل قراءتها غنية ، ممتعة ومسلية”.
وفي حديثه عن مسقط يأخذنا في رحلة تاريخية صوب قلاعها التي لازالت شامخة ، ويدخلنا من بوابة مسقط حيث المتحف الذي أُنشئ عام 1995م ، ومنه يتوجه بنا إلى ساحة قصر العلم ، وهو القصر الذي تم بناؤه في عام 1972م ، بعد عامين من تولّي السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه مقاليد السلطة ، ومنه إلى قلعة الميراني ومنها إلى سور اللواتيا في منطقة مطرح والذي تجاوز عمره قرونا من الزمان ، وتتميز أبنيته بروعة تصميمها ، وإطلالة شرفاته على الطريق البحري ، ويحيط به مسجد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومنه ينقلنا المؤلف إلى سوق العاصمة الشهير الساحر بكل تفاصيله ”سوق مطرح” الذي يعتبر من أقدم الأسواق في سلطنة عُمان ويرجع تاريخ نشأته إلى حوالي مائتي عام ، وهو من الأماكن التي أدهشت المؤلف ، بالإضافة إلى القلاع التي تميزت بها المدينة ، ومما زاد جمال الكتاب وحسن اختيار المؤلف ، توثيقه للزي العماني الذي يمثل عراقة وأصالة المجتمع العماني ، ويتميز بالأناقة والبساطة في آن واحد ، وقد انتشر في الهند وأفريقيا ، كما أبرز المؤلف قلاع عُمان ، واستشهد بما قاله ابن بطوطة عن السمك العماني حيث اعتبره من ألذ ما أكل من أسماك ووافقه الرأي.
وعن البحر والملاحة في عُمان يقول : ”عندما يسأل أهل الخبرة البحرية عن مهارة أهل عُمان فالجواب حدّث ولا حرج ، نعم وبدون أي حرج ومبالغة ، وأطلق العنان لمخيّلتك وابتعد كثيراً واعبر البحار والمحيطات والقارات ؛ فالعٌمانيون روّاد الملاحة البحرية منذ القدم، وموانئ العالم تشهد من نيويورك إلى الصين وسنغافورة” ، ويضيف عائداً بالتاريخ إلى ما قبل الميلاد مستشهداً بالسجلات المسمارية لحضارة ما بين النَّهْرَيْن بالقول : ”السفن العُمانية مذكورة قبل الميلاد في السجلات المسمارية لحضارة ما بين النهرين ، فالسومريون يسمّونها مجان حيث تصدّر النحاس ، وربطوا هذه الحضارة العريقة بالهند ، فنقلوا البضائع والعلوم من وإلى موانئ عُمان ، وعن السفينة “سُلطانة” التي تعتبر من مهارات وإنجازات البحرية العمانية يؤكد على أنها أول سفينة عربية تصل إلى ميناء نيويورك في 13 أبريل 1840م ، وذلك في عهد السلطان سعيد بن سلطان ، وهي التي أصدر البنك المركزي العماني عام 1996م عملة تحمل صورتها بمناسبة العيد الوطني السادس والعشرين لسلطنة عُمان.
وأبهرت نزوى عاصمة عُمان في العصور الأولى للإسلام ، والتي عرفت بنشاطها الفكري وأطلق عليها “بيضة الإسلام” ، بمناظرها الخلابة وقلعتها الشهيرة المؤلف فقال لمرافقه العماني : “إننا في الكويت نفتقد الجبال ومنظرها الجميل” ، فرد عليه مرافقه قائلا “لو كان بالإمكان لأعطيناك جبلاً” ، وفعلاً لو كان بالإمكان لفعلها ، فأهل عُمان مشهورون بالطيبة والكرم.
خلاصة القول : إن المؤلف صالح تقي الذي اعترف بالتقصير بحق عُمان التي وصفها ببلد التسامح والأمان ومقصد لكل السياح ، نجح في سرد رحلته بأسلوب أدبي جيد ، معتمدا على مجموعة من الصور التي دعمت أقواله ونقلت جزءا من جمال سلطنة عُمان وطيبة أهلها.
وختم المؤلف كتابه بالقول : “إن أهل عُمان والبرتغال يعتبران بالفعل من أسياد البحار ؛ سواء بصنع السفن أو الملاحة ، فكلاهما مخرت سفنه عباب المحيطات ، وكانوا همزة وصل تجارية لا يزال صدى نجاحها يُسمع بين أمواج البحر”.