بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

قال لي : “خصوصياتنا يجب أن تكون خطاً أحمر”!!..

الكاتب/ أ. عصام بن محمود الرئيسي

مدرب ومحاضر في البروتوكول والإتيكيت الوظيفي

 

قال لي : “خصوصياتنا يجب أن تكون خطاً أحمر”!!..

 

قيل : “إنه من الأدب أن لا تسأل أحدا عن شيء يخفيه عنك فإن لم يكن ظاهرا لك ، فهو غالباً لا يخصك”  فالخصوصية إذن خط أحمر ، لا يمكن تجاوزه ، فلا نتجسس على الآخرين ، ولا نتحسس أخبارهم ، وهو بمكانة اقتحام لدائرتهم الخاصة ، وهذا ما يؤذيهم ، ويؤذي مشاعرهم.

لقد أكد زميل لي بأن أحدا من جيرانه يحاول دائما أن يتابع أخباره بطريقة فضولية، وحدث عدة مرات قيامه بنشر بعض الأخبار غير الصحيحة عن عائلتي ، وقد وضعت مبدأ في حياتي ، ومع جيراني ، وحتى أصدقائي ، وهو : بأن خصوصياتنا يجب أن تكون خطاً أحمر!!.

تعرّف الخصوصية اصطلاحاً بأنّها الحق الذي يملكه الإنسان في المحافظة على سرية معلوماته ، وعلاقاته الشخصية ، حيثُ إنّ كل إنسانٍ له مطلق الحقّ بأن يكونَ بعيداً ، وعن منأى من المراقبة ، وتعريض بياناته ، ومعلوماته للاطلاع عليها ، ونقلها للآخرين ، أو نشرها دونَ موافقته ، وعلى ذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم : «من حُسن إسلام المرء تركهُ ما لا يعنيه» رواه الترمذي.

إن ديننا الحنيف ينطلق من مبدأ احترام الحياة الخاصة للآخرين من خلال منظومته الإسلامية الأخلاقية  الرفيعة ، وله صور ومجالات كثيرة ومتعددة ، وهي تبدأ بالآداب العامة الرفيعة ، مثل : “أدب الاستئذان ، واحترام حرمات البيوت ، وخصوصيات التجمعات العائلية ، وتجنب عورات الناس” ، وقد غرس فينا القرآن الكريم هذه الأخلاقيات من خلال العديد من الآيات المحكمة التي توفر لكل من يلتزم بها حياة طيبة كريمة ، وآمنة ، وعلاقات ، ودودة يسودها الاحترام المتبادل بين الجميع ، وتوثيقها بالمعاملة الراقية ؛  ليعيش الجميع حياة بعيدة عن عيون الفضوليّين ، والمتربصين للأخبار الخاصة ، والذين يتلذذون في نشر تلك الأخبار ، ويشيعون الخوف ، والقلق ، والاضطراب بين الناس.

قد يتفق كثيرون منا على أهمية المحافظة على الخصوصية بين البشر من حيث المبدأ ، ولكن عند التطبيق ، قد نجد بعض الممارسات جلية ، وإن كانت لا إرادية ، تناقض هذا المبدأ “كأن يطلع أحدهم على هاتفك في الأماكن العامة ، أو يبادر ويصر أحدهم على سؤالك عن بعض من خصوصياتك العائلية رغم أنك تتهرب من الإجابة ، والبعض الآخر يطيل التحديق إليك وإلى أسرتك أنت ومع من تمشي برفقتها في الأماكن العامة ، وهنالك من يركز النظر إلى أمور أخرى أكثر تعمقاً لاكتشاف أسرار ، وخصوصيات الناس”.

قد يرى البعض بأن انتهاك تلك الخصوصية لا يسبب الأذى البليغ للأشخاص ، وإن الإجابة على هذا الرأي ، بأنه لا  يمكن التقليل من أثر انتهاكِ حُرُمات الآخرين ، وخصوصياتهم إطلاقاً، بل إنّ هنالك أسباباً عديدة تجعل من احترام الخصوصية للأفراد أمراً واجباً لا محالة.

كيف تحتَرم خصوصيات الآخرين ؟.. 

  • عَوّد نفسك دائما على احترام حدود الآخرين ، وخصوصياتهم ، وتذكر بأنّ الآخرين هم أناسٌ لهم أفكار ، ومشاعر ، وآمال مثلك تماماً ، وأنّ احترامهم أمر ضروري بقدر ما تريده أنت من احترام الناس لك.
  • لا تُقْحِم نفسك في خصوصيات الناس ، أو السؤال عنها من قبل الآخرين ، بل اخلق بديلاً عن ذلك ، وهو إيجاد مساحة كافية للآخرين للتعبير عن أنفسِهم ، وهذا سيخلِق نوعاً من التفاعل ، ويعطي إجابات لأي تساؤلاتٍ قد تدور في ذهنك دون الحاجة للسؤال عنها.
  • ضع احترام الناس من أولوياتك ؛ لأن الاحترام يولد التوقير مع من نتعامل معهم ، وبالتالي ينسحب ذلك الاحترام إلى الابتعاد عن أذى الآخرين واحترام خصوصياتهم.
  • كن صادقاً ، وصريحاً ، تأكَّد من أن ذلك يمثل عنصراً مهماً للغاية لكسب الاحترام.
  • لا تكن متشائماً ، وحاوِل أن تنظر إلى الجانب المشرق مع من حولك في حياتهم اليومية وتعاملاتهم ، وأحسن النية دائما فيما ترى ، وما يفعله الآخرون.
  • ابتعد عن النميمة عند تعاملك مع الناس ، ونقل الأخبار.
  • لا بد أن نضع في أذهاننا بأن كشف أسرار ذوي المحارم ، والأقارب ، وغيرهم من البشر من أخطر أسباب القطيعة ، ونشر الحقد والكراهية.
  • ابتعد عن الثقة الزائدة بين الأهل ، والأصدقاء ، فهي تجعل البعض يتوسع نسبياً في الأسرار ، ولهذا ، فإن فضح الأسرار يعد نوعاً من خيانة الأمانة.
  • حفظ أسرار المحارم ، والستر على جميع التفاصيل السلوكية ، والمادية التي قد تقع عليها العين أمر مهم.
  • وأخيراً علينا أن نربي أبناءنا على حفظ الأسرار ، وستر العورات ، وذكر الأقارب بكل خير ، وأن نبتعد عن البحث عن أخبار الناس ، ونشرها ، والمحافظة على الخصوصية ، وأن يعطوا هذا الأمر حقه من التقدير والاحترام.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

‫6 تعليقات

  1. أشكرك على الطرح استاذ عصام ..
    موضوع الخصوصية بالغ الاهمية وقد يلتبس البعض في مفاهيمه ، مثلا :

    هناك عادات خاصة لمجتمع معين وثقافة مختلفة وانتهاك خصوصية تلك العادات وبثها للآخرين بدون رضى أصحابها تعتبر انتهاك للخصوصية وهنا يأتي حالة من الصراع الدائم بين العادات والتقاليد وحالة معرفة ماهي الخصوصية..

    والحمدلله هناك قانون حمى أيضًا الحياة الشخصية فليس من حق أى شخص الكتابة عن قضية أو موقف يمس الآخرين دون دلائل .

    أما فى حالة انتهاك الآداب العامة هناك جهات مسئولة منوطة بالتحقيق فى مثل هذه الوقائع فبخلاف ذلك وإن لم نمتثل للقوانين فسيصبح اﻷمر أشبه بالغابة.

  2. الخصوصية هي أسرار لا يجب إذاعتها على الملأ وإن من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه لكن لهذا الموقف شواذ مثل أن يكون المرء كتوما لحالته بسبب عفة نفسه وأنه لا يريد أن يعرض حاجته للناس فالبحث عن هؤلاء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وتجدهم لا يسألون الناس الحافا فهؤلاء وإن لم يتكلموا فالبحث لمعرفة حالهم وحالتهم أمر ضروري للكرماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى