“إسرائيل” دولة الأمد القصير .. فهل تختفي من على وجه الأرض في عقدها الثامن ؟؟..
الكاتـب/ نَـوّاف الـزَّرو
باحث خبير في الصراع العربي الإسرائيلي
“إسرائيل” دولة الأمد القصير .. فهل تختفي من على وجه الأرض في عقدها الثامن ؟؟..
بعيدًا عن نفس التشاؤم والإحباط، مرة أخرى نعود لهذا السؤال الجدلي الكبير، وهو سؤال استراتيجي وجودي مصيري كبير يطرح في الآونة الأخيرة على الأجندات السياسية الإسرائيلية: هل ستختفي “إسرائيل” عن الوجود في عقدها الثامن…؟!
في المشهد الصراعي الفلسطيني-الإسرائيلي المتبلور في اعقاب صفقة القرن وتداعياتها الوجودية-برغم سقوطها رسميًا- تتوافر مؤشرات متزايدة متراكمة على أن ما كان قبل هذه الصفقة لن يكون ما بعدها على مستوى المنطقة برمتها، فنحن أمام تاريخ جديد تجري صياغته، وأمام تداعيات ومعادلات مختلفة أخذت تتسيّد الشرق الأوسط، وأمام عودة بالصراع مع المشروع الصهيوني إلى البدايات، والأبرز في كل ذلك أننا أمام أدبيات ونظريات صهيونية جديدة تبعث لديهم هواجس القلق والوجود والمصير، فظهر هناك في المشهد الإسرائيلي من يطلق عليهم “أنبياء زوال – نهاية إسرائيل”.
فالمتابعة الحثيثة للتفاعلات داخل “إسرائيل” – المجتمع والمؤسسات الأمنية الفكرية السياسية الأكاديمية الإعلامية الإسرائيلية، تظهر جدلًا حقيقيًا متسعًا حول مستقبل “إسرائيل” والحركة الصهيونية، وإن كان هذا الجدل يعود في بداياته إلى ما قبل وخلال وبعد النكبة، حيث تساءل الآباء المؤسسون آنذاك حول مستقبل “إسرائيل” وشروط بقائها، ويعود كذلك إلى ما بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، حيث كتب البروفيسور اليهودي المناهض لـ”إسرائيل” يشعياهو ليبوفيتش مرة : “في اليوم السابع، اللاحق لسادس أيام تلك الحرب، ستبدأ نهاية إسرائيل إذا لم تستيقظ”.
و”إسرائيل” الشمشونية الغاشمة لم تستيقظ بالمعنى الذي ذهب إليه ليبوفيتش، بل تمادت وذهبت أبعد وأبعد عميقًا في سياسات التطهير العرقي والتوسع والاستيطان وفي سياسات إلغاء الآخر بالقوة الغاشمة، ما أجج عمليًا الصراع وأعاده إلى بداياته، وما كرس مفاهيم وقناعات عربية -شعبية- راسخة بأن الصراع وجودي واستراتيجي و”إما نحن وإما هم”.
وفي الجانب الآخر كذلك باتوا من جهتهم يجمعون إلى حد كبير على “أن إسرائيل تقاتل على وجودها واستمرارها”، ما يثير الرعب الوجودي لديهم بين آونة وأخرى، فتحولت “إسرائيل” إلى ما يمكن أن نسميه “دولة الأزمات الوجودية”، وتحولت كافة العناوين لديهم إلى عناوين وجودية ترتبط ارتباطًا جدليًا بأمن ووجود ومستقبل “إسرائيل”، بل أصبحوا يحولون حتى الجزئيات إلى قضايا رئيسية تتعلق بأمن ووجود الدولة، ولذلك نتابع هواجس الوجود تتفاعل على أجندة الجدل الإسرائيلي- اليهودي بقوة، ونتابع كيف أصبحت دولة “إسرائيل” تحت وطأة الرعب والذعر من المصير القادم، فها هو نتنياهو يعرب عن قلقه من إمكانية زوال إسرائيل أسوة بمملكة الحشمونائيم” : 10/10/2017 – ويحذر من “أي مخاطر وجودية قد تواجه دولة إسرائيل، ويشدد على “ضرورة أن تكون الدولة على أهبة الاستعداد للتهديدات التي تهدد وجودها، ليتسنى بعد ثلاثة عقود الاحتفال بيوم الاستقلال الـ100 للدولة”.
وقد وردت هذه التحذيرات والتصريحات خلال ندوة دينية التي استضافها في منزله مع زوجته، سارة نتنياهو، وذكر نتنياهو أن مملكة الحشمونائيم نجت فقط 80 عامًا، وأنه “يعمل على ضمان أن دولة إسرائيل سوف تنجح هذه المرة والوصول إلى 100 سنة”.
ولاحقًا كشف سفير تل أبيب السابِق بواشنطن مايكل أورن، النقاب عمّا أسماه بـ”سيناريو نهاية إسرائيل”، ناقلًا عن مصادر رفيعةٍ في المجلس الوزاريّ الأمنيّ-السياسيّ المصغّر بتل أبيب أنّ 4000 آلاف صاروخ دقيق ستسقط يوميًا على الجبهة الداخليّة، وأنّ منظومات الدفاع ستنهار وأنّ الدولة العبريّة ستدخل إلى حالة شللٍ تامٍّ-هأرتس 2020/12/21، وعقّب المُحلّل في صحيفة (هآرتس)، روغل ألفير، مُوجِهًا كلامه إلى الإسرائيليين: “خفتم؟ أنتم على حقٍّ، إذا فكّرتم أنّ حرب أكتوبر من العام 1973 كان هناك خطر بأنْ تُشطَب إسرائيل عن الخريطة، فإنّ السيناريو، الذي تمّت مُناقشته في المجلس الوزاريّ الأمنيّ-السياسيّ المُصغّر مؤخرًا، يجعل من حرب 73 لعبة أطفالٍ مُقارنةً بما سيحصل، لافِتًا إلى أنّ إسرائيل تُهدِّد بإعادة لبنان إلى العصور الحجريّة، ولكن بعد الاطلاع على السيناريو، فإنّ الحديث يدور عن انتحارٍ جماعيٍّ لدول الشرق الأوسط”.
الصحفي المخضرم وداعية السلام الإسرائيلي، أوري أفنيري كان قد نشر مقالًا تحت عنوان “كي لا نكون مثل الصليبيّين”؛ حذر فيه من “أن يكون مصير الإسرائيليّين كمصير الدولة الصليبية” : – هآرتس- 05/09/2017 -؛ في حين شكك العالم الصهيوني الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، إسرائيل أومان باستمرار وجود الدولة العبرية على المدى البعيد، مشيرًا إلى أن “عددًا كبيرًا، وأكثر مما ينبغي من اليهود لا يدركون لماذا هم موجودون هنا”، وأضاف “إذا لم ندرك لماذا نحن موجودون هنا، وأن إسرائيل ليست مجرد مكان للسكن فيه، فإننا لن نبقى-: 18/10/2006″، بينما كان جدعون ليفي كتب في هآرتس 15/4/2012 عن “إسرائيل” واصفًا إياها ب “دولة لأمد قصير”، إلا أن إبراهام بورغ رئيس الكنيست سابقًا أكد من جهته “أن إسرائيل غيتو صهيوني يحمل بذور زواله في ذاته”-.
والكاتب المعروف “ب.ميخائيل” يكتب عن “نهاية دولة إسرائيل تلوح في الأفق- يديعوت 2006/12/28″، وكاتب إسرائيلي ثالث يتحدث عن “اقتراب انهيار الصهيونية”، ورابع يقول: “أن إسرائيل – وجود مفتوح للجدل- ناحوم برنياع – يديعوت آحرونوت 2007/2/19″، وخامس يتساءل: هل أوشكت “دولة اليهود” أن تكون “مشهدًا عابرًا؟ – ابراهام تيروش عن “معاريف-2007-4-18”. فيما قالت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “إن انهيار إسرائيل خلال 20 عامًا المقبلة أمر محتوم ولا مفر منه”، مضيفة: “أن أكثر من مليوني إسرائيلي بينهم 500 ألف يحملون البطاقة الخضراء أو جواز سفر سوف يتوجهون إلى أمريكا خلال الأعوام الـ 15 المقبلة، وأن حوالي مليون و 600 ألف إسرائيلي يستعدون للعودة إلى أوطانهم في روسيا وأوروبا الشرقية والغرب- سما/ 2009/3/16”.
فكل هذه العناوين القوية أعلاه والمتعلقة بهواجس الوجود والمصير والمستقبل التي أخذت تتفاعل على الأجندة الإسرائيلية/اليهودية بقوة متزايدة يومًا عن يوم، ليس فيها مبالغة أو تهويلًا أو تزييفًا.. وإنما هي حقيقية كبيرة وردت في جملة من التحليلات والتعليقات وعلى لسان الرأي العام الإسرائيلي أيضًا، فلأول مرة في تاريخها لم تعد تلك الدولة العبرية محاطة بذلك الجدار الفولاذي الذي لا يخترق ولا يتحطم، كما لم تعد القيادات والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي قادت حروب “إسرائيل” على مدى العقود الماضية تحظى بثقة الإسرائيليّين، كما لم تعد دولة “إسرائيل” تشكل ملاذًا آمنًا حصينًا مصانًا لأكثر من ثلث الإسرائيليّين، بل إن أكثر من سبعين بالمئة من الإسرائيليّين يعربون عن انعدام ثقتهم بصورة مطلقة بصورة “إسرائيل” السياسية – الأمنية، وكذلك أركان تلك الدولة وأركان ذلك المجتمع الصهيوني واليهودي على حد سواء، أخذوا بجموعهم يتحدثون ويتساءلون بقلق متزايد عن مستقبل “إسرائيل” ومستقبل المشروع الصهيوني، بل ومستقبل الشعب اليهودي أيضًا؛ الأمر الذي يجعل من “وجود إسرائيل مفتوحًا للجدل، ويضع علامات استفهام حول اعتبارها مشهدًا عابرًا في التاريخ كما كانت دويلات اليهود سابقًا!”؛ بل إن هذا التشاؤم الوجودي أخرج سينمائيًا، حيث حاول المخرج الإسرائيلي يارون كفتورى فى فيلمه (2048) الذى عرض ضمن (مهرجان القدس السينمائي) تخيل زوال دولة إسرائيل من خلال قصة مخرج إسرائيلي مغمور يدعى يويو نيتزر يجول العالم في عام 2048 ليقابل إسرائيلي الشتات، بعدما دمرت إسرائيل نفسها ذاتيًا ، وفى الفيلم، لن يشهد العالم أي وجود لإسرائيل وما سيبقى من حلم هرتزل “المشؤوم” مجرد تذكارات في متجر في فلسطين ووثائق يعلوها الغبار في برلين ومقابر مندثرة هنا وهناك، ويأتي فيلم “يويو” ليستكمل شريطًا وثائقيًا كان قد بدأه جده منذ أربعين عامًا أي عام 2008 في الذكرى الستين لتأسيس إسرائيل، وفى المشاهد، لم يبقَ من إسرائيل سوى قلة من الناس تروى قصصها بالعبرية واليديش (اللغة التي يتقنها اليهود الأشكيناز، وتنتقل الكاميرا مع انتقال المخرج من مكان إلى آخر ليصور آخر الرموز الباقية من تلك الحقبة .. مقابر تشهد على وجودهم فيما مضى وبعض الجرار الفخارية التي تحتفظ برماد موتاهم وقسم مهجور للدراسات الإسرائيلية في مكتبة برلين ومتجر لبيع التذكارات في فلسطين).
ويظهر الفيلم “إسرائيل” دولة محتلة وكيانًا غاصبًا قائمًا على ارتكاب المجازر يوميًا ، وزرع الموساد في دول العالم ونشاطها في الاغتيال المنظم وتوزيع الأسلحة ، ويخلص إلى أن انتهاء (الدولة اليهودية) يعود لأسباب داخلية بحتة، وأن هناك سرطانًا ينهش إسرائيل من الداخل رويدًا رويدًا .. فهل تكون “إسرائيل” بذلك أكذوبة كبرى لا مكان لها في التاريخ؟!.
ربما يكون الحاخام اليهوديّ “يسرائيل ويس”، وهو من جماعة “اليهود المتحدون ضد الصهيونية”، خير من تحدث عن هذا البعد الوجودي للدولة اليهودية، حينما أعلن خلال لقاء حصريّ أجرته معه “وكالة فوكس نيوز” الأمريكية : “أن الكيان الصهيوني المسمى زورًا بـ”إسرائيل” ما هو إلا كذبة شيطانية خدعت ذوي “النوايا الحسنة” حول العالم، وأقنعتهم بدعم هذا الكيان الشرير والبغيض”، مضيفًا “إن إسرائيل أفسدت كلّ شيء على الناس جميعًا، اليهود منهم وغير اليهود، وهذه وجهة نظر متفق عليها عبر المائة سنة الماضية، أيْ منذ أنْ قامت الحركة الصهيونية بخلق مفهوم أو فكرة تحويل اليهودية من ديانةٍ روحية إلى شيءٍ مادي ذي هدفٍ قوميّ للحصول على قطعة أرض، وجميع المراجع قالت إنّ هذا الأمر يتناقض مع ما تدعو إليه الديانة اليهودية – وهو أمر محرّم قطعًا في التوراة لأنّنا منفيّون بأمرٍ من الله” على حدّ تعبيره/الترجمة نقلًا عن فلسطين اليوم 2006/8/ 26.
إذن .. هكذا هي دولة “إسرائيل” : إنها كذبة شيطانية مخادعة ، ودولة مصطنعة مزروعة بفعل القوة الغاشمة، وتحولت بذلك الى الدولة الأسوأ والأخطر والأبشع على وجه الكرة الأرضية، كما أنها دولة الإرهاب وجرائم الحرب والعنصرية والتسميم في المنطقة والعالم، وذلك بالشهادات والوثائق التي لا حصر لها .. يضاف إلى ذلك سلسلة طويلة من التقديرات والتصريحات التي تبث القلق والتشاؤم الصهيوني!!.