بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الدبلوماسية الاقتصادية “4” .. سمات ومواصفات المفاوض..

الدكتـور/ سعـدون بن حسـين الحمـداني

دبلوماسي سابق ، عضو جمعية الصحفيين العمانية

 

الدبلوماسية الاقتصادية “4” .. سمات ومواصفات المفاوض..

 

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية وخاصة الغربية منها حول طبيعة سمات ومواصفات المفاوض في الدبلوماسية الاقتصادية، وكيف يتبارون في وضع الخطوات لتحقيق النتائج في المقابلات وكيفية التميز بفن الإقناع، وعلى المفاوض أن يتقن إتيكيت فن إدارة الحديث وكيفية التناغم مع المقابل، حيث نرى الابتسامة وحلاوة الروح والبشاشة ورحابة الصدر التي تميزت بها المدارس الدبلوماسية الغربية على وجه الخصوص ويتفاخرون بأنهم هم من الأوائل في مدخلات الحديث وأشكاله.

إن جميع نظريات ومفاهيم التفاوض التي تُدرس في الكليات والمعاهد الدبلوماسية في أغلب دول العالم، وخاصة الغربية منها تركز كثيراً على مبدأين أساسيين هما : (الإستراتيجية والتكتيك) والتي يعتمد عليها التفاوض بجميع أنواعها.

إن أهم مرتكزات سمات مواصفات المفاوض أن يكون مُلماً بما في جعبته، واستناداً الى الأوامر الصادرة له من الجهات العليا، ولا يتحرك بصورة شخصية وانفرادية، وإنما يتبنّا خارطة طريق ذات مقومات مَعلومة الأهداف مرسومة الأدوات والأساليب من قبل توجهات الدولة؛ تماشياً مع المصالح الوطنية للبلد، بالإضافة إلى أن مناقشاته تستند على الهدوء والحكمة والتأني بطرح الإيجابيات للمشروع، وسعة الصدر في الإجابة على الاسئلة المطروحة على طاولة النقاش.

وقبل أن نخوض في هذا المجال علينا التعرف على فن التفاوض، والذي تعرفه باختصار أغلب المدارس بأنه : الحوار والمناقشة بين طرفين (شخصين أو مجموعتين) حول موضوع محدد للوصول إلى اتفاق نهائي أو مبدئي على عدة مراحل يتفق عليه الطرفان، وكذلك فإن التفاوض هو عرض مطالب واستفسارات كل طرف وتبادل الآراء، لتقريب وجهات النظر، والوصول إلى الحلول المقترحة.

المفاوض المتخصص في الدبلوماسية الاقتصادية يتميز عن البقية؛ لكونه يحمل في جعبته معلومات دقيقة جداً للمشروع الذي يسعى للترويج له، وجذب رؤوس الأموال، وإقناع الشركات الرصينة لتنفيذ هذا المشروع.

على المفاوض أن يتسلسل بطرح الأفكار، وعدم القفز من موضوع إلى آخر؛ بل يجب أن تكون متسلسلة منذ بداية الحديث إلى نهايته، وبكلمات راقية التعبير، وبلباقة اللسان التي تجلب المستمع إليك، مع تجنب الكلمات والمفردات الدارجة والعامية.

كما أن لغة الجسد ومهاراتها، واستخدام نبرة وطبقة الصوت وهي أحد مقومات ثلاثية الشخصية (العقل والخيال والصوت) تساعد في الوصول إلى الغاية بحسن استخدام نبرة الصوت والتحكم فيه، وعدم المبالغة في أستخدام اليدين، وفتح العنيين، أو حركة الرموش لكي تصل الكلمة إلى آذان المستمع بكل مقومات النجاح، وهي لباقة اللسان والكلمة، ويبقى المستمع مشدوداً لجمالية الحديث، بالإضافة إلى إتيكيت حسن اختيار ألوان الملابس ووقتها.

إن من أهم سمات المفاوض؛ هو الاطلاع والإلمام الدقيق عن ماذا يتكلم بخصوص طبيعة المشروع أو المشروعات التي سوف يطرحها على الشركات المختصصة، بالإضافة إلى التميز في إدارة الحديث بالأداء والطرح، لغة الجسد، نبرة الصوت، هدوء الأعصاب، الحنكة الكلامية، بُعد النظر للموضوع، احتواء المقابلة والمطاولة والصبر في النقاش، الإلمام الكامل بالوسائل الإلكترونية الحديثة التي سوف يعرض فيها المشروع، وكذلك مفردات الموضوع من ناحية علم اللغة القانوني العام، وعلم الكلمة، وعلم المعنى والإحصائيات الرقمية، لباقة اللسان والتوقف في الكلام عند نقاط القوة في المفاوضات، الاستمرار بالتفاوض ضمن أدلة حقيقية واقعية ملموسة، أن تكون لدى المفاوض القدرة الكافية على تحليل الطرف الثاني، والربط بين المواضيع المطروحة للمناقشة، وأن يكون المفاوض ذا عقلية لماحة، وأن يكون سلساً مرناً لإيصال الفكرة، وقبل كل هذه السمات يجب أن يكون لدى المفاوض تخطيط ودراسة مسبقة للموضوع، وتحليل جيد للشركات والمستثمرين الذي سوف يقابلهم مبني على التحليل المنطقي لغرض تحقيق أعلى المعايير، والوصول إلى هرم المهارات لسمات التفاوض .. كل هذه السمات تعتمد اعتماداً كلياً على أصول واستراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية التي يجب اتباعها لغرض معرفة قدرة وشخصية الطرف الثاني.

إن من صفات المفاوض المحترف في الدبلوماسية الاقتصادية هي؛ القدرة على إيصال الإيجابيات والحوافز الاقتصادية للمشروع، والمردود المالي المتوقع بكل مصداقية، القدرة الكاملة في التلاعب بمفردات اللغة من ناحية الكلمات والمعنى، القدرة على اتخاذ القرارات، وحسن التصرف في الوقت المناسب، وعدم التعصب أو إبداء عدم الرضا؛ لأن ذلك من نقاط ضعف المفاوض، المرونة في تقبل آراء الطرف الثاني، والاستعداد التام للتفاوض لتنمية العلاقات العامة واستمرارها معهم استناداً للهدف المرسوم، الاتزان النفسي والابتعاد عن المشاعر والأحاسيس، المعرفة الكاملة بالجوانب القانونية والاقتصادية واللغوية وخاصة المترجمة إلى لغة أخرى، وكذلك الانتباه إلى (فقرة التنقيط) بين الجمل اللغوية سواء باللغة العربية أو الانكليزية.

إن سمات الشخصية التفاوضية في الدبلوماسية الاقتصادية؛ لا تأتي من قراءة كتاب أو الاطلاع على النظريات الحديثة فقط، وإنما تأتي من خلال الورش التدريبية، والعمر الطويل في هذا المجال الاحترافي والخبرة المتنوعة، وكذلك الدراية الكاملة في البروتوكول والإتيكيت والعلاقات العامة التي تدخل ضمن كاريزما المفاوض، وعلى المفاوض قبل الدخول إلى المفاوضات مع الشركات والمستثمرين التحري وجمع المعلومات عن سمعة وتاريخ وإنجازات والمقدرة المالية والمشاريع المنفذة من قبلهم ليكون على بينة من أمره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى