أوسـع الأماكـن الضـيـقـة !!..

أ . ياسمين عبدالمحسن إبراهيم
مدربة معتمدة ومحاضرة في مجال اكتشاف الذات
أوسـع الأماكـن الضـيـقـة !!..
أعزائي القراء أهلًا ومرحبًا بكم من جديد..
اسمحوا لي أن أصحبكم اليوم في رحلة سريعة في حياتنا الواقعية اليومية، ومن باب الأمانة هذه الرحلة ليست من باب ذكرهم ونكد عليهم إطلاقًا، ولكن لهدف آخر ربما سنكتشفه سويًا لاحقًا إن شاء الله.
أصعب أيام العمل نوعًا ما، أول يوم، خاصة إذا كان الجو شديد الحرارة، وهناك الكثير من عوادم السيارات والغبار، زحام طويل وممل كتلك الأفكار التي تتزاحم في عقلك، والأصوات ما بين عالية وهامسة وكلاهما يحملان بين طياتهما القلق والإزعاج، والغريب أن الوجوه من حولك يعتريها الهدوء واللامبالاة، هل هذا تكيُف، أم يأس، أم رضا ؟!!.
“كأن الوضع أشبه بشعور طفل أبكم، أغلق الباب على يديه، ولم يستطع الصراخ”.
نحن كبار، نحن رجال، نحن أمهات، نحن نساء قويات، نحن ذو مناصب مرموقة، نحن قدوة للآخرين، نحن ونحن ونحن….
حسنًا نحن لا يمكننا أن نبوح، أو نشتكي، أو نبكي، نحن لا يمكننا أن نمارس آدميتنا بتلك البساطة.
ربما هذا صحيح.
ربما أنا أيضًا أشاطركم هذا الشعور.
حتى الصغار كثيرًا ما نجدهم يبكون بلا سبب منطقي أطفال كانوا أو في عمر المراهقة.
أحيانًا يفعلون الكثير من الحماقات، أحيانًا تصيبهم نوبات هلع وصراخ، وأحيانًا ينعزلون عن المجتمع، وأحيانًا أخرى ينخرطون في مجتمعات لا تشبههم.
ولكنني وجدت المكان المناسب حيث يمكننا أن نتخلص من تلك الأمور السلبية، ونتحرر من القيود المشاعرية من ضيق وقلق وحزن وأسى وغيرها، بل ويمكننا أن نتزود منه بالطاقة التي تحيي ما انطفأ بداخلنا، وينبت بداخلك الشعور بالأمان من جديد، وتشعر أنك مقبول محبوب ومرحب بك دائمًا دون أن نتكلم حتى بكلمة واحدة.
إن وجدت نفسك بين كلماتي إذًا سأكن ممتنة إن أكملت معي تلك الرحلة السريعة.
وإن كنت ترى أن هناك القليل من المبالغة، وأنك تحيا حياة طيبة، فلا بأس إن أكملت معنا الرحلة، وتشريف لي ولربما تساعدنا رؤيتك في أن تضيء دربنا.
الآن خذ نفساً عميقاً قدر المستطاع، أغمض عينيك، أظن أنك لست بحاجة لاستدعاء تلك الأمور السخيفة التي تشغل تفكيرك وتزعجك؛ لذا لا تفتح عينيك، أخرج زفيرك بهدوء قدر المستطاع.
يراودك شعور أنك تريد الاختباء الآن؟؟.
حسنًا هيا بنا ..
إلى أوسع الأماكن الضيقة في الحياة كلها.
إلى حيث يمكنكم الهروب من كل شيء.
إلى حيث تتوارى أعين الناس عنكم.
إلى حيث الملاذ الواقعي الملموس بعيدًا عن كل التشويش الذي تحياه.
إلى حيث المتنفس الآمن لقلوبنا؛
“العناق“..
تحكي الطبيبة النفسية هيلاري جاكوبز إحدى تجاربها وتقول : (في يومٍ ما منذ عدة سنوات، بطريقة عفوية قمت بحضن إحدى المريضات لدي، كان اسمها (جريتشن) وكان ذلك في لحظة قد وصل بها اليأس، والحزن لدرجةٍ صعبة، وقاسية على المستوى الإنساني، ولم يكن أمامي إلا أن أمد لها ذراعي، واحتضنها لعلها تستمد بعض الراحة والاطمئنان من عناقي لها، وقد تشبثت بي وعانقتني بشدة).
وبعد عدة شهور أبلغتني تلك المريضة أن عناقي لها في ذلك اليوم قد غيّر حياتها قائلة : “الحضن الأُمي -نسبة للأم- الذي وهبتيني إياه ذلك اليوم قد أزاح عني الإحباط الذي لازمني طيلة حياتي”.
الأمر ليس عبثيًا، ولا أحاول أن أمارس دور مدرب التنمية البشرية، ولكن غاية ما أحاول أن أوضحه لكم..
أن لنا في العناق حياة حقيقية.
يمكنكم أن تقرأوا عن سيكولوجية العناق في علم النفس.
اقرأوا عن فوائد العناق للإنسان منذ نعومة أظفاره مرورًا بذوي المناصب والمرأة الحامل وصولًا لكبار السن.
ألم يكن لك لعبة اسفنجية أو قطنية أو حتى بلاستيكية ترافقك في صغرك وتحتضنها وأنت نائم؟!.
هل ابنك لديه مثل هذا الأمر؟!.
هذا أمر جدًا طبيعي.
لأن من فوائد العناق أنه يساعد على تخفيف القلق، والخوف، ويساعد على الاسترخاء، وغيرها من الأمور الإيجابية.
احضنوا أولادكم كثيراً، بلا سبب وبسبب.
ابحثوا في أحضان أمهاتكم أو آبائكم أو أزواجكم أو أصدقائكم أو المحارم من أقاربكم.
حتى صغاركم، حتى صغاركم، حتى صغاركم.
عندما تحتضنوا الصغار سيزول عنكم آثار التعب والضيق.
فهم النقاء والفطرة.
اهربوا في أحضان أبنائكم.
ضموهم لقلوبكم حتى تطيب جراحكم.
اختبئوا بين ذراعيهم لتهدأ روحك.
وإن كان ليس كل العناق تلامس؛ فإن الدعوة الصادقة من القلب عناق، والكلمة الطيبة عناق، والابتسامة المشجعة عناق، والنظرة الحنونة عناق، وحفظ الود والتغاضي عن العيوب عناق، وأهمهم وأكثرهم أثرًا العناق الحقيقي الذي يجمع كل تلك المنح في ضمة واحدة.
العناق أشبه بهدنة لمحارب مزقته الحرب إربًا إربا، و لا يحق له الاستسلام.
وأخيرًا كلمتي الأخيرة لأصحاب مذهب أن الاهتمام لا يُطلب، اعتذر منكم هذا ليس صحيح ولا منطقي ولا واقعي.
هل هناك أحد غير الله يعلم ما يجول بخاطرنا؟ ، ويعلم ما نعلن وما نخفي؟، ويعلم ما نتمنى وما نحلم به وما نخاف منه؟، و لله المثل الأعلى ، ولكن لماذا نطلب من الله أن يحقق ما يعلمه بالفعل؟، لأن بمنتهى البساطة من أراد شيئًا بقوة فعليه بالإلحاح والإصرار عليه ليناله إن كان حقًا يريده بل ويحتاج، إن كان حقًا أمرًا جوهريًا تطيب به الحياة، وليس مجرد شيء ظاهري سطحي.
ونعرف جميعًا أنه لا يضيع حق وراءه مُطالب، نحن لسنا آلات، وتتحكم فينا الأهواء والمشاعر، وتخوننا الظروف والمواقف أحيانًا، علينا أن نطالب بما نريد، طالما حقًا نحتاج إليه، علينا أن نطلب ونطالب ونُصِر ونستمر لأن الحياة تحتاج لرفقة تهون، تكفينا الوحدة التي أطفئت أرواحنا، وجعلتنا نخاف ممن حولنا والتي نزعم بأنها أفضل حالاً لنا، لو كان هذا الأمر حقيقياً لما خلق الله الدنيا بما فيها.
تذكروا لا شيء عبثي في هذه الدنيا، ولا مكان للصُّدف؛ كل شيء يحدث لسبب ما، وربما حتى قراءتك لهذا المقال الطويل..
كن أنت الرفق الذي تحب أن تراه في هذا العالم..













استاذه ياسمين تحياتي للإبداع الذي اراه في جمال الأسلوب الذي يعتمد على الترغيب والترهيب في ذات الوقت
عرض رائع لموضوع في غايه الاهميه
أعجبني اسلوب التفاعل مع القارىء
أحييك أستاذه ياسمين