الحرب الروسية – الأوكرانية درس لتحالفات العرب..
المستـشار/ عبدالعـزيـز بـدر القـطان
كاتـب ومفـكـر وقانـونـي – الكـويـت
الحرب الروسية – الأوكرانية درس لتحالفات العرب..
لن نتحدث عن مسببات الأزمة الروسية – الأوكرانية، القديمة – الحديثة، الحرب بدأت وأصبحت أمراً واقعاً، وليس هناك أسهل من بدء الحروب، لكن وضع حد ونهاية لها، هو الأمر الذي يؤرق الجميع، وبصرف النظر عن كل التحليلات التي تُساق على القنوات والوكالات الإخبارية العالمية، تبدو أنها منقسمة بين فريقين، بين معسكرين، بين اتجاهين، بين قطبين، ما يعني أن الشرخ الدولي أخذ حجماً وحداً غير مسبوق قد يطيح بأنظمة ربما، أو قد يدمر اقتصادات عالمية كبرى.
بدأت القصة منذ ثمان سنوات، وبحسب الرواية الروسية، أن القوات الأوكرانية كانت تستهدف منطقة دونباس على مدار ثماني سنوات، وبلغ عدد ضحايا دونيتسك ولوغانسك أكثر من 14 ألف قتيل، جراء استهدافهم طيلة تلك السنوات، ولمن لا يعلم يتواجد في دونباس أكثر من 400 ألف روسي، وأغلب سكان تلك المناطق يتحدثون الروسية، وهم امتداد لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وعلى الرغم من أن اتفاقية مينسك تضمن لسكان منطقة دونباس العيش الكريم، لكن يبدو أن ثمة انقلاب على هذا الاتفاق والذي مضمونه، عندما أسس قادة 4 دول هي: طرفا الأزمة روسيا وأوكرانيا إلى جانب وسيطين فرنسا وألمانيا، بصيغة سميت “صيغة نورماندي” عام 2014، في أعقاب اشتباكات مسلحة اندلعت في منطقة دونباس شرق أوكرانيا بين القوات الحكومية الأوكرانية ومقاتلين موالين لروسيا في دونيتسك ولوغانسك، ونص الاتفاق على تهدئة الصراع، وعقدت عدة جولات من المحادثات منذ ذلك الحين، ما أسفر عن توقيع اتفاقية مينسك، لكن يبدو أن الاتفاقية فشلت وعاد القتال مجدداً، فما كان من روسيا إلا أن اعترفت باستقلال جمهوريتي دوينتسك ولوغانسك، قبيل اتخاذ قرار الحرب.
لكن تعددت الروايات وكان أغلبها يدور بأن احتمال اندلاع حرب ضعيف جداً، انطلاقاً من أن روسيا لا يمكن أن تغامر بالعامل الاقتصادي بعدما أصبحت تتربع على عرش العالمية إن كان في حجم احتياطها النقدي من العملات الأجنبية ومن احتياطي الذهب العالمي حيث تصنيفها الرابعة على مستوى العالم، لكن قرار الحرب وقع وحدثت الحرب، وتداعيات الحرب كل العالم على اطلاع على كم وحجم العقوبات الغربية على روسيا في محاولة منهم لعزلها، إلا ان واقع الحال يقول إن النتيجة متبادلة، فأوروبا تعتمد على 40% من الغاز الروسي، لكن من أوراق الضغط، وقف مشروع نورد ستريم 2، او ما يعرف بمشروع السيل الشمالي 2 بين ألمانيا وروسيا، وفرض عقوبات على الرئيس وكل الساسة الروس، وإزالة روسيا من نظام سويفت للتعاملات المالية، وقطع العلاقات وإغلاق سفارات وسحب بلوماسيين وحجب وإغلاق مكاتب الإعلام الروسي، ولربما هذه العقوبات لو فرضت على دولة أل من قوة روسيا بقليل لانهارات خلال ساعات، لكن يبدو أن روسيا درست كل هذه الأمور قبل الإقدام على خطوة الحرب.
قدمت روسيا في وقتٍ سابق الضمانات الأمنية التي تريدها من الجانب الغربي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية حول مسألة توسع الناتو على الحدود الشرقية لأوروبا، وطلبتها مكتوبة، لأنه في تسعينات القرن الماضي سبق وأن حصلت على ضمانات شفهية من الولايات المتحدة، وحلف الناتو إلا أن الأخير انقلب على ذلك وتوسع شرقاً وخير دليل دول البلطيق، فعلى الرغم من أنها دول صغيرة نسبياً، لكن استطاع الحلف أن يضمها كأزمة جورجيا العام 2008، ليس هذا فقط، لقد تملص الغرب من تقديم تلك الضمانات بل عزز فكرة توسيع الشرخ الحاصل، ومع اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال جمهوريتي دوينتسك ولوغانسك، بدأت التنديدات الغربية من كل حدب وصوب، والجميع تقريباً لم يعترف باستقلال هاتين الجمهوريتين وكأنهما لا وجود لهما على الخريطة، وقبل الغوص أكثر، يجب الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ومنذ أن كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، لا ننسى اتهام الرئيس السابق دونالد ترامب لسلفه بايدن بارتكاب مخالفات في تعامله مع أوكرانيا عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس، على خلفية رسالة بريد إلكتروني يشكر فيها مستشار من شركة طاقة أوكرانية، هانتر ، نجل جو بايدن، على دعوته لمقابلة والده، والشركة اسمها بوريسما (وهي شركة قابضة لمجموعة من شركات استكشاف وإنتاج الطاقة، ومقرها في كييف، أوكرانيا) وهي العمل الخاص لهانتر نجل بايدن، فالأمور كلها مرتبطة ببعضها البعض.
بالتالي، وقف الغرب صفاً واحداً ضد روسيا، المؤكد أن روسيا لا تقع، لكن رغم قوتها ورغم وقوفها في أغلب قرارات الغرب ودعمهم إن كان في مسألة إسقاط ليبيا بالقوة، أو ما يحدث في سوريا من صمت روسي حيال الغارات الصهيونية المستمرة عليها، أو موقفها من الحرب اليمنية، واختيارها الوقوف إلى جانب الأقوى، كل ذلك لم يشفع لها، رغم تضرر الغرب بالوقوف معها، ما يعني أن إعادة النظر بهذه التحالفات هو أمر مهم لروسيا، فمع اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية الخاصة، تم تفجير قاعدة بحرية قالت روسيا إنها تعود لحلف الناتو ممولة من قبل بريطانيا، ونسفتها، لأنها كانت ستشكل تهديداً على شبه جزيرة القرم وجنوب روسيا بأكمله، ما يعني أن المخطط قديم وهو تطويق روسيا، ولعل المتابع للأحداث السابقة في كازاخستان على سبيل المثال يتأكد له أن ثمة ما يحاك ضدها والعمل جارٍ على تحطيمها، هذه المعطيات والتهديدات الغربية رغم أن الجميع يعتقد أنهم اكتفوا بفرض العقوبات، لكن خرجت من بريطانيا تصريحات خطيرة، الأمر الذي فرض على بوتين وضع أسلحة الردع النووية في حالة تأهب، أن يفعلها أو لا يفعلها، ليس هنا الأمر، لكن الأمر هذه الاستفزازات تضع العالم أجمع على المحك، ورغم خطورة الوضع نجد أن الجميع يصعّد وآخر اهتماماتهم الإنسان ولم يستفيدوا من تجارب القنابل النووية في أربعينيات القرن الماضي.
أما المواقف العربية، فإن قلت إنها مخجلة ولا تواكب الحدث لا أكون قد ظلمتهم، فدول تعاني من كوارث اقتصادية دمرتها، تختار الوقوف في المعسكر الغربي ضد روسيا، هذا من الناحية النظرية شأنها، لكن على ماذا بنت معطياتها في اتخاذ هكذا موقف، ودول مع الأسف جندت إعلامها ضد روسيا، دون النظر إلى الأوضاع التي حصل أو إلى ماذا ستؤول الأمور، بل اختاروا مباشرةً الوقوف إلى جانب الصف الآخر، لنسقط هنا مثال بسيط، إحدى الدول الأوروبية تقول إنها استقبلت لاجئين من أوكرانيا لأنهم مسيحيين، وقالت أليس أفضل من استقبال السوريين، فما هو شعور العرب من هكذا صف اختاروا الوقوف معه؟ وبصرف النظر عن ذلك، ماذا عن الاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية لبحث تطورات الأزمة الأوكرانية التي يعتمد أغلب العرب على القمح الأوكراني وتداعيات الأزمة قد تهدد بأزمة جوع وحاجة لرغيف الخبز، فما هم فاعلون؟.
قلتها سابقاً وأكررها، لا خير في أمة لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تصنع، فبدل من عقد الاجتماعات الطارئة استثمروا أراضيكم في الزراعة وتبادلوا خيراتكم مع بعضكم بدل اعتمادكم على الأجنبي حتى في لقمة عيشكم، مع الأسف هذا درس مكرر ولا عبرة أو استفادة منه، فهل باتت حياة العرب هي النفط مقابل الغذاء كما العراق، أو الماء مقابل السلاح، أو البلاد مقابل الكرسي، هي كذلك، فها هي أوكرانيا اليوم تفتح باب التطوع للقتال، كما حدث في بعض الدول في فترة الربيع العربي، هل سنسمع عن متطوعين عرب؟ احتمال كبير، لكن هذه الحرب التي تحدث اليوم درس إلى كل العرب بأن من يتغطى بالأمريكي وبالعامية فعلاً عريان.